محافظة دمشق تعلن مزايدة لتدوير الأنقاض في التضامن والقابون الصناعية
للمرة الثالثة، أعادت محافظة دمشق الإعلان مطلع أيلول، عن مزايدة علنية بالظرف المختوم، لتنفيذ أعمال تدوير أنقاض الأبنية في التضامن جنوبي العاصمة، ولتنفيذ أعمال تدوير أنقاض الأبنية والمنشآت العامة في منطقة القابون الصناعية شمال شرقي العاصمة. الإعلان حدد يوم 10 أيلول موعداً للانتهاء من تقديم العروض إلى دائرة المراسلات في مبنى محافظة دمشق في ساحة يوسف العظمة.
ورغم انقضاء أيام على انتهاء مهلة التقديم للعارضين، لم ترشح أي أنباء بعد عن رسو المزاد على أي طرف في المنطقتين.
مراسل سيريا ريبورت في دمشق، أشار إلى أن المنطقة المستهدفة في التضامن هي منطقة سكنية مطلة على مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين. وكانت المنطقة بمثابة خط دفاع عسكري أثناء سيطرة المعارضة على التضامن 2012-2015، ومن بعدها تنظيم الدولة 2015-2018، قبل أن تستعيدها قوات النظام بعد حملة قصف بري وجوي تسببت بدمار واسع النطاق فيها. ومنذ العام 2018، هدمت محافظة دمشق عشرات الأبنية في هذه المنطقة وصولاً إلى شارع فلسطين في مخيم اليرموك.
قوات النظام لم تسمح بالعودة إلا لأعداد قليلة من النازحين عن التضامن، من الحاصلين على موافقة أمنية، ممن لم تتدمر منازلهم ورمموها على نفقتهم الخاصة بعد دفع رشاوي لعناصر الحواجز الأمنية والعسكرية للسماح لهم بإدخال مواد البناء والترميم.
أما منطقة القابون الصناعي، فهي شبه مدمرة ومنذورة بالهدم، بموجب المرسوم رقم 237 الصادر في 14 أيلول 2021 الذي نصّ على إحداث منطقة تنظيم مدخل دمشق الشمالي، وفق أحكام القانون 10 لعام 2018 القاضي بجواز إحداث منطقة تنظيمية أو أكثر ضمن المخطط التنظيمي العام للوحدات الإدارية. واستند المرسوم 237 لعام 2021 إلى المخطط التنظيمي لمنطقة القابون الصناعية رقم 104 الصادر في حزيران 2019. وكانت المنطقة تضم منشآت صناعية للقطاعين العام والخاص، وقد تحولت بدورها ما بين العامين 2013-2018 إلى خط تماس بين قوات النظام والمعارضة المتحصنة حينها في القابون السكنية، جوبر والغوطة الشرقية. قوات النظام لم تسمح لأحد بالعودة إلى القابون الصناعية، بما في ذلك أصحاب المعامل والمنشآت الصناعية فيها.
ورغم توقف المعارك منذ العام 2018 في المنطقتين، والتهجير القسري للمعارضة منهما، إلا أن الأنقاض ما زالت متراكمة. إذ تتذرع محافظة دمشق والبلديات التابعة لها، بعدم وجود تمويل لإزالة الأنقاض، ونقص الآليات واليد العاملة والوقود. في الوقت ذاته تمنع السلطات الأمنية نقل الأنقاض إلى مكبات نظامية من دون ترخيص من المحافظة.
إعلان محافظة دمشق عن مزايدة بالظرف المختوم، في المنطقتين، ليس الأول من نوعه، ويشابه إعلانات سابقة درجت محافظات أخرى على إصدارها، بهدف التعاقد مع متعهدين من القطاع الخاص، لإزالة وترحيل الأنقاض. وتنظم وزارة الإدارة المحلية، عبر محافظة دمشق وبلدياتها، تلك المزايدات بقرارات إدارية تتخذها وفق نظام العقود الموحد الصادر بالقانون رقم 51 لعام 2004.
الملفت في إعلان المزايدة، عدم وجود أي إحالة قانونية فيها إلى قانون إزالة الأنقاض رقم 3 لعام 2018. ورغم المآخذ العديدة فيه، إلا أنه أعطى لمالكي العقارات مهلة شهر واحد فقط لإثبات حقوقهم وملكياتهم، لأخذ مقتنياتهم الخاصة وأنقاض أبنيتهم. أي أن الأنقاض هي ملك لأصحاب الممتلكات، بعد إثباتهم لحقوقهم ضمن مهلة زمنية ضيقة، وفق مستند صحيح لإثبات ملكية المقتنيات الخاصة والانقاض. وهذا يعني، عدم مقاربة موضوع إزالة الأنقاض، رغم حساسيته الشديدة، من زاوية حقوق ملكية الأنقاض بل من زاوية تقنية إدارية فقط.
مراسل سيريا ريبورت، سأل مصدراً مطلعاً في محافظة دمشق، عن كيفية حصول تلك المزايدات. المصدر تحفظ على ذكر أمثلة عملية، لكنه أشار إلى أن منظمات غير حكومية محلية، ممولة من مانحين دوليين، تقوم غالباً بدور الوسيط بين المحافظة، وبين مؤسسات وشركات القطاع العام، شركات خاصة، أو متعهدي بناء، لتنفيذ تلك الأعمال.
وقد تساهم تلك المنظمات المحلية، بتمويل محافظة دمشق، مباشرة، لطرح تلك المشاريع على العارضين. أو، يمكن للمنظمات المحلية التعاقد مباشرة مع المحافظة، وتلزيم المشروع إلى متعاقدين ثانويين. في كثير من الحالات لا تنجح تلك الحلقة من الوساطة، في الوصول إلى مرحلة التعاقد النهائية والبدء بالعمل، إلا بعد تفاهمات ضمنية تتضمن دفع رشاوى لمسؤولين في البلديات، ومن الأجهزة الأمنية والعسكرية المسيطرة على المنطقة المعنية.
سيريا ريبورت اطلعت على دفتر الشروط الفنية الذي وزعته محافظة دمشق على العارضين المحتملين، والذي يتضمن المهام المطلوبة، وطريقة تنفيذها. وبحسب الدفتر، يتوجب على العارض حيازة كسارة فكية باستطاعة لا تقل عن 100 طن أنقاض في الساعة. ومهمة الكسارة هي فرز الحديد بغرض إعادة تدويره في أفران الصب، وأيضاً غربلة نواتج تكسير الأنقاض بغرض فرز البحص والرمل منها لإعادة استخدامهما في مشاريع بناء أخرى.
وبحسب دفتر الشروط، قدّرت محافظة دمشق كمية الأنقاض المطلوب إعادة تدويرها 260 ألف متر مكعب من الأنقاض على الشكل التالي؛ 200 ألف متر مكعب في التضامن، و60 ألف متر مكعب في القابون الصناعية. ويُطلب من المتعهد ألا تقل نسبة نواتج التدوير عن 60% من كامل كمية الأنقاض، منها 80% بحص، و20% رمل، وكيلو غرام واحد من الحديد لكل متر مكعب من الأنقاض. وبالحساب، تكون كمية الأنقاض المدورة حوالي 156 ألف متر مكعب، منها 124 ألف متر مكعب من البحص و31 ألف متر مكعب من الرمل، و156 طناً من الحديد الخردة.
دفتر الشروط أوضح بأنه يتوجب على المتعهد أن تكون جميع نواتج التدوير نظيفة وخالية من الشوائب، وستخضع عينات منها للتحليل بإشراف المحافظة.
مراسل سيريا ريبورت، أوضح بأن المتقدمين لهذا النوع من المشاريع التي تتطلب آليات ثقيلة خاصة، هم قلّة. إذ لا تتوافر هذه الآليات إلا بأعداد قليلة لدى شركات ومؤسسات القطاع العام الانشائية، خاصة مؤسسة تنفيذ الانشاءات العسكرية التابعة لوزارة الدفاع. ويدير المؤسسة اللواء رياض شاليش، ابن عمة الرئيس السوري بشار الأسد، والمدرج على قائمة العقوبات الأوروبية منذ العام 2011 لدوره في قمع الاحتجاجات السلمية.
وتسيطر المؤسسة العامة لتنفيذ الانشاءات العسكرية على قطاعات تنفيذ البنى التحتية الكبيرة في سوريا خاصة التابعة للقطاع العام، بسبب الامتيازات التي تحصل عليها حكومياً من إعفاءات ضريبية وجمركية، والأجور الضئيلة التي تقدمها لموظفيها، وقدرتها على تأمين المحروقات والوقود. وهذه ميزات، تفتقدها بشدة الشركات الانشائية الخاصة. هذه المزايا التفضيلية أعطت المؤسسة إمكانية دائمة للتقدم بعروض أقل قيمة من بقية العارضين، وبالتالي الفوز بالمزايدات المماثلة. ولذا، فمن المتوقع أن ترسو هذه المزايدة بالظرف المختوم على المؤسسة، بحسب مصادر سيريا ريبورت.
وبحسب مصادر سيريا ريبورت، فإنه بعد انتهاء الجهة المنفذة من تدوير الأنقاض، غالباً ستقوم المحافظة ببيع الحديد الخردة، بسعر رمزي، إلى معمل صهر الحديد في مدينة عدرا الصناعية، والذي يملكه رجل الأعمال الدمشقي محمد حمشو، المقرب من اللواء ماهر الأسد، قائد الفرقة الرابعة في قوات النظام. حمشو موضوع منذ العام 2011 على قائمتي العقوبات الأميركية، والأوروبية. معمل صهر الحديد ينتج بدوره حديد التسليح الانشائي من الخردة، ويبيعه في السوق المحلية بأسعار لا تقل عن السعر العالمي.
حتى عملية ترحيل خردة الحديد من مواقع استخلاصه في القابون والتضامن، إلى معمل الصهر في مدينة عدرا، تقوم بها شركات مرخصة حصرياً من قبل مكتب أمن الفرقة الرابعة. إذ يجب في البداية الحصول على موافقة مسبقة من مكتب أمن الفرقة الرابعة، قبيل القيام بكل عملية نقل.
أما الرمل والبحص فيعتقد أن محافظة دمشق ستستخدم جزءاً منه في مشاريعها كترميم وتأهيل الطرقات العامة، وستبيع الجزء المتبقي منه لشركات ومؤسسات القطاع العام الإنشائية وللقطاع الخاص.
مصادر سيريا ريبورت أشارت إلى أن أصحاب المباني المهدمة في منطقتي القابون الصناعي والتضامن، لن ينالوا أي تعويض عن أنقاضها، إذ تعتبر محافظة دمشق تلك الأنقاض ملكاً لها من حقها التصرف به من دون الرجوع لأصحابها. لا بل يتوجب على أصحاب العقارات المهدومة إثبات ملكياتهم السابقة، ليُسمح لهم لاحقاً بإعادة بنائها على حسابهم، وليشتروا الحديد المعاد تصنيعه والرمال المعاد تجميعها من أنقاض منازلهم بسعر السوق العالمية.