ما علاقة لواء الباقر بانهيار مبنى مخالف في حلب؟
أثار انهيار مبنى مخالف في حي الفردوس في مدينة حلب، ردود فعل نادرة في وسائل الإعلام الرسمية وشبه الرسمية السورية. إذ تعالت الدعوات في تلك الوسائل، لاتخاذ إجراءات عقابية بحق المتورطين بالمخالفة، مع الدعوة لتطبيق القانون رقم 40 لعام 2012 الخاص بإزالة مخالفات البناء في الحالات المماثلة. ويبدو أن ذلك السقف المرتفع في انتقاد الحادثة يعود لأن البناء مخالف بُني بعد انتهاء العمليات القتالية في حلب، ولم يكن للقصف السابق لقوات النظام على المنطقة أثر مباشر على انهياره.
وفي التفاصيل، قتل 13 شخصاً بينهم نساء وأطفال من عائلتين، في 7 أيلول، بانهيار مبنى سكني في حي الفردوس في حلب الشرقية. واستمرت عمليات البحث عن ناجين وانتشال الجثث من تحت الأنقاض، ثلاثة أيام متتالية، وذلك بسبب صعوبة إدخال الآليات الثقيلة إلى الحي الشعبي ذي الشوارع الضيقة.
صحيفة الجماهير، المحلية الحلبية الرسمية، نقلت عن أحد سكان المبنى المنهار، والذي فقد عدداً من أفراد أسرته بما فيهم زوجته الحامل، أنه سبق واشترى قبل عام ونصف، شقة في المبنى بعقد بيع نظامي، عن طريق مكتب عقاري، وتم تسجيل العقد لدى محام. ونقلت الصحيفة عن شهود عيان قولهم بأن المبنى كان يبدو حديثاً من الخارج، ولم يكن أحد يتوقع سقوطه. وفي حالة العقارات المخالفة، يتم البيع والشراء وفق عقود بيع نظامية، ولكن من دون تسجيل تلك الوقوعات في السجلات العقارية.
ومباشرة بعد الانهيار، أصدر محافظ حلب، في 7 أيلول القرار رقم 9291، والقاضي بتشكيل لجنة، مؤلفة من فنيين من الأمانة العامة لمحافظة حلب ومجلس المدينة ونقابة المهندسين والخدمات الفنية، مهمتها الكشف على البناء المنهار، على أن تقدم تقريرها اللازم مع المقترحات المناسبة خلال مدة أقصاها 24 ساعة. ومهمة الجنة هي الكشف عن أسباب انهيار البناء المؤلف من 5 طوابق، وتحديد عمره، وجميع الملابسات المتعلقة به من وثائق وملف تفتيشي.
وأصدرت اللجنة تقريرها، في 8 أيلول، وأحيل إلى فرع الأمن الجنائي لاستكمال التحقيقات اللازمة وفق الأصول، واتخاذ الإجراء القانوني المناسب بحق العاملين المقصرين في أداء واجبهم في الرقابة أو قمع المخالفة، وكل من تثبت مسؤوليته عن المخالفة، استناداً إلى أحكام المرسوم التشريعي رقم 40 لعام 2012 وتعليماته التنفيذية، بحسب ما نقلته صحيفة الوطن شبه الرسمية.
سبب الانهيار
وجاء في تقرير اللجنة التي شكلها المُحافظ، بأن الصور الجوية توضّح أن المبنى حديث البناء، تم تشييده في النصف الثاني من عام 2020. وأن البناء مخالف من دون ترخيص، ويقع ضمن منطقة مخالفات جماعية. وأكد أن العناصر الحاملة للمبنى مكونة من البلوك المُفرّغ وذلك مخالف للكود السوري للبناء. ويعني ذلك عدم وجود أساسات من الخرسانة والقضبان الحديدية للمبنى، ولا أعمدة، وهو ما يسمى باللغة العامية “بناء لفة”، والذي يكثر في مناطق المخالفات.
مصدر مسؤول في مجلس مدينة حلب قال لسيريا ريبورت، بأن هذا النوع من الأبنية المخالفة بنيت بعد استعادة قوات النظام السيطرة على أحياء حلب الشرقية. وغالباً ما لا تبنى تلك الأبنية على أساسات جيدة، بل يقوم المتعهدون وتجار البناء في هذه الأحياء بتأسيس البناء على الطبقة السطحية من التربة. وأضاف المصدر بأن التربة في المنطقة رخوة، لا تتحمل في أفضل الأحوال البناء فوقها لأكثر من طابقين.
ويلجأ المتعهدون أيضاً إلى تحميل أوزان اضافية على الأساسات الضعيفة، وتقليل الخرسانة والقضبان الحديدية المستخدمة فيها، بغية التوفير المادي. كما يلجأون إلى فك قوالب البيتون الخشبية للسقوف، قبل اكتمال تصلب البيتون، لبناء مزيد من الطوابق بأقصر وقت. ويتم كل ذلك بغياب الإشراف الهندسي، وغياب الرقابة الرسمية.
مهندس سابق في مجلس مدينة حلب، قال لسيريا ريبورت، إن حي الفردوس قائم على منطقة ذات طبيعة تكهّفية، تعاني منذ ما قبل العام 2011 من انهيارات للمباني فيها. وأكد بأن للقصف السابق على المنطقة دور كبير في ازدياد مخاطر الانهيارات، هذا بالإضافة للدمار الحاصل في شبكات الماء والصرف الصحي، وتسرب الماء منها ما يؤثر سلباً على أساسات الأبنية، القديمة أو الحديثة.
لواء الباقر والسلطات البلدية
في 10 أيلول، أوقف فرع الأمن الجنائي بحلب، مديراً سابقاً لمديرية خدمات باب النيرب، ومسؤول الضابطة العدلية بالمديرية، في إطار التحقيقات. وسبق ذلك توقيف فرع الأمن الجنائي لتاجري بناء من آل عبود، متهمين بالمسؤولية عن إشادة البناء المخالف.
قال مصدر مسؤول في مجلس المدينة لمراسل سيريا ريبورت، إن المسؤول عن تشييد البناء هو مكتب لتعهدات البناء وتجارة العقارات يديره أربعة أخوة من آل عبود. وقد ألقي القبض على اثنين منهم فقط.
وأضاف المصدر أن المكتب يقع في حي الفردوس، الواقع بدوره ضمن قطاع سيطرة مليشيا لواء الباقر الموالية للحرس الثوري الإيراني. والأخوة على علاقة جيدة بقيادة اللواء التي تُسهّلُ لهم أعمالهم في مناطق سيطرته خاصة في مناطق المخالفات الجماعية. ويقوم المكتب بالاضافة إلى أعمال البناء، بأعمال ترميم الأبنية المتضررة وتأجيرها. وهناك شراكة بين المكتب وبين لواء الباقر، لتنفيذ بضعة مشاريع بناء في أحياء الفردوس والصالحين والمرجة والمعادي وكرم حومد.
كما أن للمكتب علاقات جيدة مع مجلس مدينة حلب، ومديرية خدمات قطاع باب النيرب التي تشرف على حي الفردوس خدمياً.
علاقات المكتب الجيدة مع مليشيا لواء الباقر والسلطات البلدية والمحلية في حي الفردوس، ساهمت بحسب المصدر، في قيامه بالكثير من عمليات البناء المخالف من دون مراعاة السلامة الإنشائية، من دون مراقبة من السلطات البلدية.
الأحياء المجاورة
بعد الانهيار، أخلت لجنة السلامة العامة التابعة لمجلس مدينة حلب الأبنية المجاورة للبناء المنهار، خشية وقوع انهيارات مماثلة. ولكن الملفت، أن كثيراً من السكان أخلوا تلقائياً بيوتهم في الأبنية المتضررة في أحياء الصالحين والفردوس والمعادي، خوفاً من انهيارها. وجاء ذلك بشكل عفوي من دون طلب من أي جهة رسمية. إذ أن انهيار مبنى الفردوس أثار حالة من الهلع والخوف في عموم أحياء حلب الشرقية التي كانت تسيطر عليها المعارضة المسلحة في الفترة ما بين العامين 2012 و2016، والتي تعرضت لقصف عنيف، جواً وبراً، من قبل قوات النظام السوري.
وقال مراسل سيريا ريبورت، إن مجموعة من سكان حي الصالحين تقدمت ببلاغ إلى قسم الشرطة، بوجود مبنى مهدد بالسقوط في 9 أيلول. وتفقدت لجنة السلامة العامة للمبنى، ووجدت هبوطات في أساساته، وطلبت بإخلائه وهدمه. وقامت الشرطة على الفور، بإشراف مجلس مدينة حلب، بإخلاء السكان من دون السماح لهم بإخراج شيء سوى بعض الملابس. وبعد ساعات، وصلت آليات من مجلس المدينة إلى الحي، وباشرت عملية الهدم التي استمرت لأكثر من ثلاث ساعات.