ماذا يخبئ بيت العائلة الكبير من انتهاكات لحق السكن للنساء؟
في الماضي، كان جزء كبير من الفلاحين السوريين يسكن ضمن عائلات كبيرة ممتدة، في مساكن كبيرة عربية. يعود ذلك بشكل رئيسي، إلى ضرورات وحاجات الزراعة. لكن، ومع تطور المجتمعات، وتوسع المدن، غدت الاستقلالية حاجة لكل أسرة. الأم والأب يربيان الأبناء، ويعملان في وظائف لم تعد كثير منها مرتبط بالزراعة. مع الوقت، تراجعت تلك الحاجة للعائلة الكبيرة الممتدة، وللسكن الجماعي التشاركي في البيوت.
لكن، خلال الحرب السورية، وأثرها المهول على العمران والاقتصاد، دفعت الحاجة بالعائلات للتجمع مجدداً في بيوت صغيرة، لتوفير مصاريف السكن، الايجار، واقتسام الضروريات للحياة. عودة هذا الشكل من السكن الجماعي، باتت عبئاً ثقيلاً على العائلات التي اعتادت الاستقلالية، وأجبرت على قبوله على مضض.
عفراء، سيدة أربعينية، تزوجت سالم بعد قصة حب طويلة قبل الحرب السورية بسنوات قليلة. عفراء وسالم، استأجرا منزلاً صغيراً في مدينة حمص، حيث رزقا بابنتهما. الحياة لم تكن وردية تماماً، إذ تخللتها مشاكل كثيرة مرتبطة بعدم رضا عائلتي عفراء وسالم عن زواجهما لأسباب طائفية ومناطقية. فعفراء سنيّة من حمص، بينما سالم علوي من ريف اللاذقية. العيش بشكل مستقل في مدينة حمص والعمل فيها، كان أمراً مساعداً على تجاوز ضغط العائلتين. لكن ذلك لم يدم طويلاً.
في العام 2019 اضطرت عفراء وزوجها لمغادرة منزلهما، بعدما أصبح أيجاره أمراً غير مقدور عليه. سالم، طلب من والديه، انتقال عائلته معه والسكن معهما في بيتهما الواسع في ريف اللاذقية. لم يتردد الأهل في قبول ذلك، إذ أن سالم ابنهما، وهما يحبان حفيدتيهما ويرحبان بهم. لكن، هذا القرار حول حياة عفراء لجحيم مستمر. إذ بدأت المشاكل بتدخل الجدين في تربية البنات، ماذا تلبسان وكيف تتكلمان وتضحكان، مع من تتحدثان ومن هم أصدقائهم.
ثم تطور الأمر ليصبح تدخلاً مباشراً بحياة عفراء، ملابسها وطريقة كلامها وعاداتها اليومية. حتى منعوها من استقبال ضيوف في منزلهما لأنهما لا يطيقان “محيطها”، ولم يرحبا بزيارات أهلها إلى منزلهما، وحاولا منعها من الخروج من المنزل لزيارة أهلها. بعد وقت قصير، طالبها حموها، بالتخلي عن وظيفتها. وحين رفضت عفراء ذلك، تصاعدت المشكلة حتى هددها حموها بالطرد من المنزل.
عفراء، تعيش حيرة كبيرة، مخيّرة بين ترك العمل أو ترك المنزل. بينما، يقف سالم حائراً بين مراضاة والده العجوز الذي فتح بيته له ولأسرته، وبين محاولات إقناع عفراء بالرضوخ ريثما يتحسن الوضع ويتمكنوا من الاستقلال مجدداً. تقول عفراء: “لست متأكدة أننا سنتمكن من العيش بمفردنا، خاصة إذا تركت عملي، كيف يمكننا استئجار بيت لنا في ظل هذه الأسعار”.
الخلاف انتقل مؤخراً إلى العلاقة بين عفراء وسالم. وتخشى عفراء أن يصل الأمر إلى الطلاق. حينها، ستضطر إلى العودة مع بناتها إلى منزل والديها، حيث يسكن معهما أيضاً أخوها مع عائلته.
في قانون الأحوال الشخصية السوري، يحق للزوجة طلب سكن مستقل إذا أثبتت تعرضها للإيذاء في منزل الحموين. و يحق للمرأة طلب الطلاق في حال لم يؤمن لها زوجها مسكناً بشروط محددة: قابل للعيش الكريم، مستقل بذاته، في بيئة مريحة ومحترمة. لكن، المشكلة تتعلق بشكل مباشر بسوء الأوضاع المعاشية في سوريا اليوم. إذ ليس بمقدور سالم تأمين مثل هذا المسكن. وليس بإمكان عفراء، تأمين منزل مستقل لها ولبناتها.