لم يدعم أحد ريم في طلاقها فباتت حبيسة منزل زوجها
تزوجت المهندسة ريم منذ 15 عاماً من زميلها على مقاعد الدراسة الجامعية، وعاشا حياة مكافحة في مدينة اللاذقية، لتأمين عيش لائق لهما وأطفالهما. خلال تلك السنين، حرصت ريم وزوجها، على الادخار، وشراء محل تجاري كانت ريم تديره بعد عملها الوظيفي في إحدى المؤسسات الحكومية.
بعد 7 سنوات من زواجهما، ازدهر المحل التجاري، فطلب الزوج من ريم الاستقالة من عملها والتفرغ لإدارة المحل. كان هذا الطلب بداية الخلافات بين ريم وزوجها. فهي رفضت في البداية، لكن زوجها وعائلتها مارسوا عليها ضغطاً اجتماعياً حتى ترضخ. تقول ريم: “كان خطأي منذ البداية أني رضخت لهذا الضغط، كان عمر أطفالي أصغر، وكنت أشعر بالخوف، لكن رضوخي وقتها هو ما أوصلني إلى حالي الآن”.
استقالت ريم من وظيفتها وتفرغت لإدارة المحل ورعاية أطفالها وشؤون المنزل، بينما بقي زوجها في عمله في مكتبه الهندسي الخاص. ومع السنين ازدهرت تجارتها، وتمكنت من توسعة المحل وزيادة عدد العاملين فيه. استطاعت ريم أن تحقق نجاحاً في التجارة رغم عدم علاقته بمجال اختصاصها الدراسي، حتى أصبح دخل المحل وحده كافياً لضمان استقرار الأسرة مادياً.
ورغم أن ريم أثبتت نفسها بقوة في إدارة عملها الجديد، لكن المشاكل تزايدت بينها وبين زوجها. في السنة الثامنة من الزواج، وبعد مشاجرة كلامية مع زوجها، تعرضت ريم إلى ضرب مبرح، هربت بسببه إلى منزل أهلها. تقول ريم: “لم تمض ساعات على وصولي معنفة ومصابة إلى منزل والدي، حتى تكلم أخي مع زوجي وطلب منه القدوم لأخذي. وحين أتى، طلب منه والدي ببرود، ألا يكرر ما فعله ثانية، وأنه يمكنه تأديبي بطريقة أقل خشونة. كما حرص والدي على تذكيري بأهمية امتصاص الخلافات والمشاكل، لأن قلبه الضعيف لا يحتمل وجود ابنة مطلقة في منزله”.
كان هذا الحادث مؤشراً لريم على عدم حصولها على أي دعم من أهلها ومحيطها في حال فكرت في الطلاق. في الوقت ذاته، سمح موقف العائلة المتراخي بتصاعد العنف من قبل زوج ريم، “الذي بدأ يفقد السيطرة على أعصابه كلما غضب، فيبدأ بإهانتي ثم ضربي بعنف. حاولت ريم مراراً الهروب من عنف زوجها واللجوء إلى أهلها أو أصدقاءها، لكنها كانت تجد نفسها وحيدة، لا أحد يدعمها. تقول: “الكل يخاف من الطلاق، الطلاق جحيم أشد من جحيم العنف في مجتمعنا”.
في السنة العاشرة لزواجها، وبعد تعرضها أحد المرات للضرب المبرح على يد زوجها، حاولت ريم التقدم بدعوى تفريق أمام المحكمة لعلة الضرر. لكن المحكمة رفضت الدعوى، لعدم وجود شهود، رغم أن تقرير الطبيب يؤكد تعرض ريم للإصابة. القاضي رفض الأخذ بالتقرير بحجة أن الإصابة ليست بالضرورة ناتجة عن عنف زوجي. تقول ريم أن زجها تمكن من رشوة القاضي، ودفعه إلى رفض دعوى التفريق، بينما لم يرض أحد من أسرتها أو معارفها أو جيرانها الشهادة لصالحها في المحكمة. فخسرت ريم القضية.
تزايد شعور ريم بالخوف من زوجها، كما تزايد بالمقابل عنفه تجاهها. فقد منعها من الخروج من المنزل حتى إلى المحل التجاري. ولم تعد تستطيع زيارة أهلها أو أصدقاءها. الزوج رفض تطليقها، وبات يعنفها، ويجبرها على معاشرته. وقد بقيت ريم حبيسة منزلها، تحاول تجنب غضب زوجها بشتى الطرق في محاولة لإيجاد وسيلة للهروب، وحين أصابها اليأس، قررت التواصل مع إحدى المحاميات لمساعدتها.
نصحت المحامية ريم برفع دعوى مخالعة رضائية، تتنازل فيها عن كامل حقوقها من المسكن والنفقة والمهر. وهو ما لم تقبل به ريم، مفضلة البقاء حبيسة منزل زوجها. تقول ريم: “أنا الآن حبيسة منزلي. حين أخبرت أهلي قراري عارضوني وهاجموني، وأصر أبي أنه لن يستقبلني في منزله لا أنا ولا أولادي في حال تم الطلاق”.
رغم تعديل قانون الأحوال الشخصية السوري في العام 2019، إلا أن أوضاع النساء الاجتماعية والاقتصادية في بعد الطلاق لا تزال مثيرة للجدل. الكلمة العليا للطلاق في سوريا هي للزوج، ولا بنود تضمن حقوق الزوجة المادية في حال طلبت الطلاق. في حالة ريم، التي استثمرت مدخراتها وجهدها لتبني مع زوجها استقرار الأسرة المادي، فقد باتت هي مهددة بخسارة كل شيء بسبب رغبتها بالطلاق.
لا تزال ريم حتى الآن في منزل زوجها، غير قادرة على رفع دعوى المخالعة الرضائية كي لا تخسر مسكنها، حيث لا مكان آخر تلجأ له مع أطفالها. وفي ظل الفساد القائم في سوريا حالياً، تواجه دعاوى التفريق تمييزاً وانحيازاً بحسب الواسطة والرشوة. زوج ريم يهددها دائماً بأنه سيرشو القاضي في حال فكرت برفع دعوى ثانية. كل ذلك، والزوج مدعوم بانحياز مجتمعي، بينما ريم وحيدة، لا دعم عائلي أو مجتمعي لها.