لماذا الأولوية للساحل السوري في التخطيط الإقليمي؟
من المقرر أن يقوم المجلس الأعلى للتخطيط الإقليمي بتصديق وتنفيذ المخطط الإقليمي للساحل السوري هذا الصيف، ليكون أول مخطط منجز، وفقاً لتصريحات رسمية. ويأتي ذلك، في ظل شكوك بإمكانية تحقيق تنمية متوازنة طالما أن الأولية لم تُعطَ للأقاليم التي شهدت أعلى نسب الدمار خلال الحرب ما تسبب بتهجير السكان وحرمانهم من حقوقهم في السكن والملكية.
مدير التخطيط الإقليمي ودعم القرار في مجلس محافظة اللاذقية قال إن المخطط الإقليمي يهدف لإظهار الموارد الطبيعية والاستعمال المستقبلي للأراضي والإمكانات الاقتصادية والسكانية، ضمن استراتيجيات التنمية المستدامة. وأضاف أن منطقة الساحل تشكل أولوية بسبب موقعها الاستراتيجي واحتوائها على الموارد الطبيعية.
ويقطن إقليم الساحل أغلبية علوية، بالإضافة إلى أقليات سنيّة ومسيحية. وشكّل الساحل خلال سنوات الحرب الحاضنة الأهم لقوات النظام، وقد بقي نسبياً بعيداً عن المعارك الحربية باستثناء المواجهات التي وقعت في ريف اللاذقية الشمالي والتي تسببت بتهجير قسري لسكانه التركمان والسنّة نهاية العام 2013.
وبحسب التصريحات الرسمية، تبلغ مساحة المخطط الإقليمي الذي يشمل محافظتي اللاذقية وطرطوس 4367 كيلومتراً مربعاً. ويُظهر المخطط الرؤية المستقبلية للساحل خلال السنوات العشرين المقبلة، وتتحدد من خلاله المناطق السكنية ومناطق التوسع العمراني، والمناطق الزراعية والمحميات الطبيعية، ومناطق النشاطات الاقتصادية والمنشآت السياحية والصحية، وكذلك مواقع شبكات نقل الطاقة والمصادر المائية والسدود.
وبموجب عملية التخطيط الإقليمي، تمّ تقسيم سوريا إلى أقاليم تخطيطية لكل منها حيّز مكاني له خصائص مميزة جغرافية وديمغرافية، أو اقتصادية وإدارية. ويُسهّل ذلك عملية وضع المخططات الإقليمية والتنظيمية. في العام 2018 قسّم المجلس الأعلى للتخطيط الإقليمي سوريا إلى سبعة أقاليم تخطيطية: دمشق الكبرى، الجنوبي، البادية، الشرقي، الشمالي، الأوسط، والساحل.
لكن، قانون التخطيط الإقليمي رقم 26 لعام 2010 لم ينص صراحة على إعطاء أولوية لإقليم على آخر، بل أكد على أهمية تحقيق تنمية وطنية وإقليمية متوازنة. وهنا، تجدر الإشارة إلى أن إقليم الساحل لم يتعرض على مدار السنوات الماضية لأضرار تبرر اختياره كأولوية في التخطيط الإقليمي تتيح رفع سويته على كافة المستويات الاقتصادية والعمرانية. في حين أن بقية الأقاليم الواقعة تحت سيطرة حكومة دمشق، تعيش ظروفاً مماثلة، إن لم تكن أكثر سوءاَ، اقتصادياً وعمرانياً. وبالتالي، وعلى عكس ما نصّ عليه القانون 26\2010، فإن اختيار إقليم الساحل للبدء بتنفيذ مخططه الإقليمي، سيزيد من اختلال التوازن القائم سلفاً في التنمية بين أقاليم الدولة. ويبدو الهدف وراء ذلك سياسياً، باعتبار إقليم الساحل يُشكل الحاضنة الأهلية الأهم للنظام، والتي يحاول النظام تخفيف احتقانها على سوء الأوضاع المعيشية بتخصيصها بالمزيد من التوظيفات الاستثمارية والخدمية.
وتتضح أهمية التخطيط الإقليمي وانعكاساتها على أوضاع الناس المعيشية والسكانية، بأنه يمثّلُ حلقة وسطى بين التخطيط الوطني للسياسة العامة للدولة، وبين التخطيط العمراني للتجمعات الحضرية. وهو يبحث عن التوظيف الأمثل، مكانياً واجتماعياً، للمشاريع الاقتصادية والتنموية. وتتخذ توجيهات التخطيط الإقليمي صفة الإلزام في كل المشاريع العمرانية.
القانون 26 أوضح أن إصدار المخطط الإقليمي لكل إقليم، هو وثيقة مُوجِّهة للمخططات التنظيمية العامة والتفصيلية. وبذلك، يصبح المخطط الإقليمي هو الركيزة الأساسية في عمليات التخطيط العمراني على مستوى التجمعات السكنية، بينما يصبح المخطط التنظيمي هو المنتج النهائي لعمليات التخطيط العمراني. وبناءً على ذلك يجب على المخطط التنظيمي أن يتقيد بالمحاور الواردة بالمخطط الإقليمي، منعاً لحصول أي تجاوزات أو مخالفات عمرانية.