لماذا أبقت محافظة دمشق على مجمع القدم الصناعي؟
مازال المجمع الصناعي المختص بتصليح السيارت في حي القدم الدمشقي، يعمل بشكل جزئي، رغم الإدعاءات الحكومية عن إعادة الحياة إليه. ويبدو مصير المجمع غير واضح في ظل التوجه الحكومي بحصر جميع المهن المتعلقة بالسيارات في مشروع مدينة معارض السيارات في الدويرشمال شرقي العاصمة.
ورشة تصليح سيارت في مجمع القدم الصناعي. المصدر: وكالة سانا.
يمتد المجمع على مساحة 4 هكتارات ضمن حي القدم في مدخل العاصمة الجنوبي، وبدأ العمل فيه في العام 2000، بهدف إخراج ورشات تصليح السيارات وتوابعها من مركز العاصمة وحصرها في مكان واحد. وأرض المجمع مستملكة لصالح الدولة، والاستثمار فيه يتم بنظام الفروغ. وكان يضم المجمع 450 منشأة صغيرة ومتوسطة الحجم، مختصة بكل ما يتعلق بإصلاح السيارات.
والفروغ يشبه الإيجار إلا أنه يُمكّنُ المُستأجر من التنازل عن حقه في الاستثمار لصالح الغير، مقابل بدل، مع بقاء الملكية لصاحب العقار، وهو الدولة في حالة مجمع القدم. ومع صدور قانون الإيجار رقم 10 لعام 2006، فقدَ الفروغ إمكانية التمديد التلقائي لعقد الإيجار خلافاً لإرادة المالك. وأصبح حق الفروغ يشمل المحال المؤجرة قبل العام 2006، وهو ما ينطبق على حالة مجمع القدم.
مجمع القدم الصناعي كان قد خرج عن الخدمة منذ أكثر من خمسة أعوام، بعد سيطرة فصائل المعارضة عليه وتحوله الى خط مواجهات مع قوات النظام. واستعادت قوات النظام السيطرة على المجمع في نيسان 2018. وقد تعرض المجمع لتدمير واسع النطاق، وللنهب أكثر من مرة مع تناوب القوى المسلحة المختلفة السيطرة عليه.
محافظ دمشق السابق بشر الصبان، كان قد أعلن في أيار 2018، خلال جولة له على المجمع، عن بدء تسليم المنشآت لأصحابها، شريطة تعهدهم بتشغيلها خلال مدة أقصاها ستة أشهر، وإلا سيتم إغلاق المنشآت وختمها بالشمع الأحمر. ومقابل ذلك، تعهّد الصبّان بإعادة تأهيل المجمع بأسرع وقت.
وحتى اللحظة تمكنت بلدية القدم فقط من ترحيل الأنقاض وفتح الطرقات في المجمع، رغم أن نسبة التدمير فيه تزيد على 50% من المنشآت والبنى التحتية، بحسب مراسل سيريا ريبورت في المنطقة. إذ ربطت محافظة دمشق استكمال تأهيلها للمجمع وإصلاح البنى التحتية من ماء وكهرباء فيه، بإعادة تشغيل الورشات فيه. الصبّان كان قد قال في زيارته السابقة للمجمع إن “الدولة دفعت المليارات لاستعادة المدن الصناعية من الإرهابيين، وأقل ما يمكن من رد الجميل هو إعادة تشغيلها”.
وكانت المُجمّعُ يُشغّلُ قبل العام 2011 بحدود 4000 عامل، أما الأن فلا يزيد عدد العمال فيه عن 500. إذ أن عدداً من أصحاب المنشآت والعمال تعرضوا للتهجير القسري مع قوافل المعارضة التي خرجت من المنطقة، بعدما باتوا مطلوبين أمنياً لمشاركتهم في النشاطات المعارضة للنظام خلال السنوات الماضية.
كما أن معظم أصحاب الورشات أعادوا تأهيل ورشاتهم في المجمع خوفاً من خسارة حقهم بفروغ محالهم، ويتخوفون من مصير مشابه لما حدث مع سوق السيارات في مدخل دمشق الشمالي، التي أجبر أصحابها على الاكتتاب في مدينة معارض الدوير.
وكان جزء من أصحاب ورش المجمع قد نقلوا أعمالهم خلال السنوات الماضية إلى داخل مدينة دمشق، وأقاموا ورشاً على الأرصفة في أحياء العاصمة، فيما بات يعرف بـورشات الأرصفة. وعلى الرغم من إعادة تفعيل المجمع جزئياً، إلا أن بعض تلك الورشات مازالت تعمل، لقاء رشاوى تدفع لشرطة المحافظة لتغض النظر عنها. وكانت محافظة دمشق قد أصدرت أمراً بإلزام تلك الورشات بالعودة إلى المجمع.
إلا أن سوء الخدمات في المجمع، والانقطاع شبه الدائم للكهرباء، وندرة المحروقات لتشغيل المولدات، وصعوبة وصول السيارات إليه، جعل من المجمع غير جاذب للأعمال. هذا عدا عن التضييق الأمني على أصحاب الورشات في المجمع، حيث يحتاج إخراج الآلات مواد البناء وإدخالها إلى موافقة مسبقة من فرع المنطقة التابع للأمن العسكري والمسيطر على جنوبي دمشق.
ويبدو أن السبب الرئيسي الذي دفع الحكومة للإبقاء على المجمع هو لحصر الصناعات الصغيرة لتصليح السيارات ضمن العاصمة دمشق في مكان واحد تملكه الدولة وتحتكره بصيغة المؤجر. ويعني ذلك، أن الدولة باتت تهيمن على سوق السيارت في العاصمة دمشق بالكامل، من مدينة معارض الدوير إلى مجمع القدم الصناعي.