للمرة الثالثة خلال عام واحد: محافظة حماة تعيد طرح أراضي النازحين للاستثمار
يبدو أن محافظة حماة تواجه صعوبات في استثمار أراضي النازحين والمهجرين قسراً من أرياف حماة وإدلب. ويظهر من تكرار الإعلانات لعقد المزادات بأن قلائل من تقدموا للاستثمار، في حين أن بعض الذين ربحوا المزادات لم يزرعوا الأرض ولم يدفعوا مستحقاتهم المالية.
الإعلان رقم 85 الصادر في 16 شباط 2022 عن محافظة حماة، هو الاعلان الثالث من نوعه عن استثمار أراضي السليخ، وهي الأراضي الزراعية غير المُشجّرة. وأشار الإعلان 85 إلى تواصل عقد جلسات المزاد، وقبول طلبات الاشتراك لمن يرغب بالاستثمار، حتى يوم 3 آذار 2022، بشرط تسديد التأمينات الأولية.
الإعلان رقم 86 الصادر أيضاً في 16 شباط 2022 عن محافظة حماة، أوجب على المستثمرين الفائزين بالمزادات العلنيه لاستثمار أراضي السليخ ممن لم يسددوا التزاماتهم المالية حتى تاريخه، بضرورة مراجعة الأمانة العامة للمحافظة ودفع المستحقات المترتبة عليهم ومباشرة استثمارهم قبل 3 آذار 2022. واعتبر الإعلان أن هذا بمثابة انذار نهائي للمستثمرين، تحت طائلة اتخاذ الإجراءات القانونية في حال التأخر بالتسديد.
وبحسب التعميم رقم 29/ع الصادر عن محافظ حماة في 16 كانون الثاني 2022، فإن الإجراءات القانونية، تتضمن حجز التأمينات الأولية، وإعادة طرح الأراضي بالمزادات مجدداً، وتحميل المستثمرين الزيادة في قيمة المزاد الجديد. وتبلغ التأمينات الأولية 10 آلاف ليرة للهكتار من الأرض البعلية، و50 ألف ليرة للهكتار من الأرض المروية.
وتجري المزادات العلنية على استثمار أراضي النازحين عن أرياف حماة وإدلب، برعاية محافظة حماة. وتجري المزادات في مبنى محافظة حماة. وتهدف تلك المزادات، إلى تحقيق خطة زراعية وضعتها وزارة الزراعة. وزير الزراعة كان قد قال خلال جولته الأخيرة في ريف إدلب الجنوبي، في 10 كانون الثاني 2022، بإن 11 ألف هكتار من الأراضي البعل قد زُرِعت من أصل 18 ألف هكتار مخطط لزراعتها، وكذلك فقد تمت زراعة 3 آلاف هكتار من الأرض المروية من أصل 12 ألف هكتار مخطط لزراعتها. الوزير قال إن عدم استثمار تلك الأراضي سيدفع وزارة الزراعة لزراعتها.
في محافظة حماة، فقد زُرِعَ 15.5 ألف هكتار من أصل 25.124 ألف هكتار بالقمح المروي، و16.6 ألف هكتار من أصل 20 ألف هكتار بالقمح البعل، وفق تقدير مديرية الزارعة للخطة الزراعية 2021-2022.
مصادر من ريف حماة قالت لسيريا ريبورت، إن بعض المستثمرين الذين رست عليهم المزادات لاستثمار مساحات كبيرة من الأراضي، لم يتمكنوا من زراعتها كاملة. في حين ركز آخرون فقط على المزروعات البعلية لانخفاض تكاليف الإنتاج.
مراسل سيريا ريبورت في المنطقة، أشار إلى أن من أسباب تراجع بعض المستثمرين عن زراعة الأرض التي رست عليهم بالمزادات، هو عدم استلام كثير من المستثمرين للدفعة الأولى من الوقود للمضخات اللازمة لسقاية الأراضي المروية. وكذلك ارتفاع أجور حراثة الهكتار الواحد التي وصلت إلى 250 ألف ليرة، وعدم التزام أصحاب الجرارات بالتسعيرة الرسمية للحراثة التي حددتها اللجنة الزراعية بـ100 ألف ليرة للهكتار الواحد. وحصل أصحاب الجرارات على مخصصات المازوت المدعوم؛ 30 لتراً لحراثة الهكتار الواحد، بـ1700 ليرة لليتر، وهو السعر الحكومي المدعوم. إلا أن تلك الكمية لم تكن كافية، ما اضطر بعض المستثمرين إلى شراء المازوت بالسعر الحر بتكلفة 3000 ليرة لليتر الواحد.
وفي حالات متعددة رصدتها سيريا ريبورت، لم يتمكن بعض المستثمرين من تأمين البذار اللازمة للزراعة لغلاء الأسعار أو لعدم توفرها. بعض المستثمرين أبدو شكوكاً حول غياب الشفافية في توزيع الهلال الأحمر السوري للمنح المقدمة من منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة “فاو”. وتشمل المنح حصصاً من البذار والسماد، تتألف كل واحدة منها من 200 كيلوغرام من بذار القمح و150 كيلوغرام سماد سوبر فوسفات. ولم يتم توزيع أي من تلك الحصص في ريف إدلب. بينما خُصص لريف حماة 4000 حصة، وزعت على أصحاب الأراضي، وبعض المستثمرين الذين وردت أسماؤهم في لوائح مسبقة أعدتها اللجان المكانية. وكانت محافظة حماة قد شكّلت لجاناً مكانية، في منتصف العام 2021، لإحصاء وتحديد أراضي النازحين إلى مناطق المعارضة.
وإلى كل الأسباب السابقة، يُضاف أيضاً ارتفاع تكاليف النقل الخاصة وعدم وجود وسائل نقل عامة، والتعقيدات البيروقراطية والأمنية المرافقة للحصول على الأوراق الرسمية، وتعطل الآبار وغياب الكهرباء، ورفض المصرف الزراعي تقديم القروض للمستثمرين.
ومن الملفت هنا، إصرار محافظة حماة على إعادة الإعلان عن المزادات العلنية لاستثمار الأراضي في مثل هذا الوقت من السنة. إذ لم يعد ممكناً زراعة الحبوب خاصة في الأراضي البعلية، أما الأراضي المروية فلا يمكن زراعتها سوى بمحاصيل صيفية كالخضروات ذات كلفة إنتاجية مرتفعة.
نظرة جندرية:
أشار مراسل سيريا ريبورت إلى تسجيل مشاركة نسائية في المزادات العلنية التي أعطيت فيها الأفضلية لأقارب الغائبين. وتلك النساء بقين في المناطق التي استعادت قوات النظام السيطرة عليها، وهنّ من أقارب النازحين إلى مناطق المعارضة. وكانت محافظة حماة قد أعلنت في 21 تشرين الأول 2021، عن قبول طلبات استثمار الأقارب للأراضي السليخ، ولموسم واحد، بحيث تكون الأفضلية في الاستثمار للأقارب حتى الدرجة الثالثة من المقيمين في المنطقة.
وعدا ذلك، فإن نسبة قليلة من الأراضي المطروحة للاستثمار تملكها نساء، إذ غالباً ما تكون ملكية الأراضي الزراعية في الأرياف باسم الذكور من العائلة، ونادراً ما تكون مسجلة باسم نساء بموجب سندات تمليك أو نتيجة عمليات حصر الإرث. ويبدو ذلك غير متوازن مع الدور الكبير الذي تلعبه النساء في العمل الزراعي اليدوي. وغالباً ما تكون أجور العاملات الزراعيات المياومات مساوية لأجور العمال الذكور.
كما قال مراسل سيريا ريبورت بأن اللجان المكانية التي شكلتها محافظتا إدلب وحماة لم تضمّ في عضويتها نساء. وتلك اللجان مكونة من ممثلين عن الجمعيات الفلاحية، وفرع حزب البعث الحاكم، ومهندسين زراعيين. في حين ضمّت اللجان المشرفة على المزادات حضوراً نسائياً من الموظفات في محافظة حماة.