لجان السلامة الانشائية للكشف عن الأبنية المتضررة بالزلزال في دمشق
خلال الأسابيع الماضية شكلت محافظة دمشق عشرات لجان السلامة الإنشائية للكشف عن الأبنية، في العاصمة التي لم تتأثر فعلياً بزلزال 6 شباط.
المحافظة خصصت مباشرة بعد الزلزال، رقماً عبر تطبيق واتس آب، يتيح لسكان العاصمة التواصل والإبلاغ عن وجود تصدعات في أبنيتهم. وبعد الإبلاغ، تقوم لجنة ثنائية أو مشتركة بالكشف على البناء المتصدّع، وتقدم توصياتها. واللجان المشتركة هي اللجان التي شكّلتها المحافظة مع جهات رسمية أخرى، بحيث تضم مهندسين وخبراء من الطرفين. ومنها على سبيل المثال، 9 لجان مشتركة بين المحافظة وبين كلية الهندسة المدنية بجامعة دمشق، و12 لجنة مشتركة بين المحافظة وبين المعهد العالي للبحوث الزلزالية، و9 لجان مشتركة للطوارئ بين المحافظة وفرع دمشق لنقابة المهندسين.
كما شكلت المحافظة لجاناً من مهندسي المحافظة وبلدياتها الـ16، للكشف العام على مجمل الأبنية ضمن قطاعات المدينة البلدية. كما شكلت المحافظة لجنة تشرف على عمليات التدعيم، ترافق لجان مهندسي المحافظة إن اقتضى الأمر.
فرع دمشق لنقابة المهندسين، شكل بدوره لجنة طوارئ تضم 15 مهندساً برئاسة رئيس فرع النقابة، ومهمتها تقدير السلامة الفنية للمنشآت والأبنية بناء على طلب المحافظة، وتقديم الدعم الفني واختبار مواد البناء المستخدمة ضمن مخبر المواد في فرع النقابة.
في حين شكلت الشركة العامة للدراسات الهندسية التابعة لوزارة الأشغال العامة والإسكان، لجاناً للكشف عن السلامة الإنشائية للمباني الحكومية في دمشق.
وبحسب صحيفة تشرين الرسمية، فقد قال محافظ دمشق في 23 أذار 2023، بأن اللجان كشفت حتى تاريخه على 2300 بناء في العاصمة، بناء على بلاغات من الأهالي.
مصادر سيريا ريبورت قالت بأن اللجان كشفت على بضعة أبنية في حي المزة 86، ظهرت فيها تشققات بالجدران. مبنى واحد منها مؤلف من خمسة طوابق ظهرت تشققات في أعمدته، وتم اخلاؤه مؤقتاً من سكانه. لجنة السلامة الإنشائية سمحت بعودة السكان، وطلبت منهم ملء الشقوق بالإسمنت ومراقبتها. وإذ ما ازداد حجم التشققات، عندها ستقوم اللجنة بدراسة تدعيم للمبنى. اللجان أوصت ببناء بعض الجدران الاستنادية في المنطقة على حساب محافظة دمشق.
كما كشفت اللجان على بعض الأبنية في ضاحية دمر السكنية “ضاحية الشام الجديدة” التي غاص بعضها عدة سنتيمترات في التربة. وطلبت اللجنة من سكان بناء واحد على الأقل تدعيمه بالكامل بشبكات معدنية حول الأعمدة الحاملة للبناء. وستكون تكاليف دراسة التدعيم والتنفيذ على حساب السكان.
في العموم، سادت الفوضى عمل تلك اللجان، وغابت عنها المعايير الهندسية الموحدة. إذ قامت كل لجنة، وضمن نطاق عملها الجغرافي، بالكشف الحسّي على المباني، أي بالنظر فقط من دون استخدام اجهزة اختبار وقياس. وقيّمت اللجان وضع المباني من حيث سلامة جملتها الانشائية؛ وصنفتها إلى بناء سليم انشائياً غير متضرر، أو بناء متضرر يحتاج تدعيماً، أو بناء متضرر آيل للسقوط وحينها يجب إخلاؤه وهدمه.
مصادر سيريا ريبورت، أشارت إلى أن اللجان الأكثر فاعلية كانت اللجان التي أحد أطرافها نقابة المهندسين. ويعود ذلك، إلى رغبة نقابة المهندسين باستعادة دورها الهندسي، بعدما كانت نقابة مقاولي الإنشاءات قد همشته خلال السنوات الماضية. ونجحت نقابة المهندسين في فرض معايير موحدة بخصوص أتعاب الدراسات الهندسية والتدقيق للمباني والمنشآت المتضررة، والإشراف على التنفيذ لأعمال إعادة البناء أو التدعيم. وظهر ذلك واضحاً في قرار وزارة الأشغال العامة والإسكان رقم 1698 في 27 شباط 2023، الذي صادق على قرار المجلس المركزي لنقابة المهندسين السوريين رقم 4، بخصوص تخفيض أتعاب المهندسين عند معالجة وضع المباني المتضررة نتيجة الزلزال في المحافظات المنكوبة. في المقابل، النقابة لم تتمكن من تحديد معايير واضحة موحدة لطريقة الكشف على الأبنية المتضررة، ولا عملية الترميم والتدعيم وتركتها لمهندسي اللجان.
من جانب آخر، لم تشارك أي جهة حقوقية في مراقبة عمل لجان السلامة الإنشائية، ولا في توثيق الأملاك المتضررة، مع غياب الآليات القانونية للاعتراض على قرارات اللجان. إذ بناء على توصيات اللجان، هدمت محافظة دمشق بعض الأبنية الآيلة للسقوط، بعد الكشف عليها من قبل تلك اللجان. وجميع تلك الأبنية كانت آيلة للسقوط قبل الزلزال، وتضررت أكثر به، ومنها أبنية في حيي كفرسوسة وساروجة. محافظة دمشق عرضت على سكان تلك الأبنية الانتقال للسكن المؤقت في مراكز الإيواء، لكن أغلبهم انتقلوا للسكن على نفقتهم الخاصة في أماكن أخرى من المدينة.
مصادر سيريا ريبورت أشارت إلى خشية بعض السكان من الإبلاغ عن التشققات في أبنيتهم خوفاً من اخلائهم وهدم البناء، من دون وجود أي أمل بتعويضهم، وبالتالي قد يجدون أنفسهم مضطرين للعيش في مراكز الإيواء، أو السكن بالإيجار على حسابهم الخاص. كما حاول بعض سكان الأبنية المتصدعة رشوة اللجان، أو ممارسة ضغوط عليها، لتصدر تقريراً بالسلامة الانشائية لتلك المباني. بينما خشي آخرون من تدخل بعض المتنفذين وضغطهم على اللجان لاعتبار أبنية محددة سليمة على أنها آيلة للسقوط، ليتم الاستيلاء عليها بأسعار بخسة. غياب الآليات القانونية، والخوف من الضغوط الأمنية، كبلت المهندسين أعضاء اللجان، وحاول بعضهم التهرب من اتخاذ القرارات الصائبة هندسياً، خوفاً من العواقب.