لجان السلامة الانشائية في اللاذقية: فوضى، فساد ومحسوبيات
بعد شهرين على زلزال 6 شباط 2023، لا يبدو بأن لجان السلامة الإنشائية في محافظة اللاذقية قد قامت بعملها على أكمل وجه. إذ أن اللجان لم تكشف على جميع الأبنية المتصدعة رغم مطالبات سكانها المتكررة، كما سادت الفوضى والعشوائية والفساد عمل بعض اللجان، وسط تدخلات من المسؤولين الأمنيين والعسكريين للتأثير في طريقة عملها ونتائجه.
وتحت الضغط الكبير للكشف على الأبنية المتصدعة مباشرة بعد الزلزال، سرعان ما لجأ الناس إلى أقاربهم من المسؤولين النافذين في الدولة والأجهزة الأمنية والعسكرية، أو لرشوة المسؤولين، للضغط على اللجان وتوجيهها للكشف مبكراً على منازلهم. وتسبب ذلك بحدوث كثير من الفوضى، والعشوائية والانتقائية في العمل.
مراسل سيريا ريبورت قال إن بناءً حديثاً مكوناً من أربعة طوابق في المشروع العاشر بمدينة اللاذقية تصدع بفعل الزلزال. وبعد طول انتظار، فقد سكان البناء الأمل بأن تقوم اللجان بالكشف على المبنى. وفي ظل خوفهم من حدوث هزات ارتدادية تزيد سوء التصدع، قرر السكان الاستعانة بمهندس استشاري من نقابة المهندسين، على حسابهم الشخصي، لتقييم حجم التصدع. المهندس أشار لهم بضرورة تدعيم عمود أساسي واحد متصدع، وهذا ما قاموا به على وجه السرعة. وتقاسم سكان المبنى كلفة التدعيم، بواقع مليوني ليرة على كل شقة. وبعد انتهائهم من العمل علموا بأن لجنة في طريقها للكشف على المبنى. هنا، طلب السكان المساعدة من مسؤول أمني رفيع، التدخل لمنع اللجنة من الكشف على المبنى.
ونظرياً، عندما تكشفت اللجان على الأبنية المتصدعة فإنها تصنفها ضمن ثلاثة خانات أساسية؛ متصدعة بشكل بسيط، متصدعة بشدة يجب تدعيمها، وآيلة للسقوط يجب هدمها. بخصوص الأبنية المتصدعة بشكل بسيط، فهي لا تشكل خطراً على السكان ويمكن ترميمها من دون رخصة ولا دراسة هندسية. بينما في حالة الأبنية المتصدعة بشدة، يجب على اللجنة أن تقدم تقريراً وصفياً لحالتها، وبعدها تطلب الوحدة الإدارية من لجنة أخرى تضم مهندسين ذوي خبرة من نقابة المهندسين القيام بدراسة هندسية للتدعيم. وبناء على تلك الدراسة، تعطي الوحدة الإدارة رخصة لأعمال تدعيم المبنى. في حالة الأبنية المتصدعة الآيلة للسقوط التي ارتأت اللجان ضرورة إزالتها، فهي تقوم بتشمّيع مداخلها بالشمع الأحمر، وتخلي سكانها وتمنعهم من العودة إليها تحت طائلة المسؤولية.
ورد، يعيش في شقة في الطابق الرابع في بناء ضمن المشروع السابع في مدينة اللاذقية، وقد تصدع عمود أساسي في البناء. سكان المبنى انتظروا لجان السلامة للكشف عن المبنى، من دون فائدة. ورد، تردد على مبنى محافظة اللاذقية لعدة أيام، وتقدم بطلبات رسمية للكشف على المبنى أكثر من مرة، ولدى أكثر من قسم في المحافظة. وعندما فقد الأمل من الاستجابة لطلبه، قام ورد بدفع رشوة لأحد أعضاء اللجان، بقيمة 300 ألف ليرة، وحصل من خلاله على تقرير يفيد بأن البناء متصدع بشكل بسيط. وصدر التقرير من دون معاينة المبنى على أرض الواقع. وبناء على هذا التقرير، قام سكان المبنى بتدعيمه على حسابهم الشخصي. ورد، أكد أن أحداً لم يزر المبنى ويكشف عليه، لا من اللجان ولا النقابة ولا المحافظة، ولم يسألهم أحد على عملية التدعيم التي قاموا بها.
تصدع البناء الذي تسكنه مروة وزوجها في ريف اللاذقية. وقد كشفت لجنة سلامة إنشائية على المبنى، ورأت أنه متضرر بشدة وبحاجة إلى تدعيم، لكنها طلبت منهم عدم القيام بذلك بشكل فردي، بل انتظار قيام البلدية بإحالة المبنى إلى لجنة خبرة هندسية لتدرس طريفة التدعيم المناسبة والحصول على رخصة بذلك. مروة وزوجها، توجها لمهندسة قريبة لهما، تعمل في احدى اللجان، لتغيير التقرير وتحويل المبنى من متضرر بشدة إلى متضرر بشكل بسيط. وبناء عليه، تمكنت مروة وزوجها من تدعيم المبنى بشكل فردي من دون انتظار لجنة الخبرة الهندسية.
الأمر لم يكن أفضل حالاً عندما كشفت اللجان على الأبنية المتصدعة وارتأت أنها بحاجة إلى تدعيم بسيط، لكنها لم تخلص إلى اتخاذ إجراءات واضحة بخصوصها، ما يضع السكان في حيرة من أمرهم. سلمى، أرملة وأم لطفل من أصحاب الاحتياجات الخاصة، تعيش في منزل تصدع في ريف اللاذقية. لجنة من مهندسي البلدية زارت المنزل، وشاهدت التصدعات، واعتبرت أن بإمكان السكان البقاء فيه ريثما يتم تدعيمه. فالمنزل آمن في حال لم يحدث زلزال آخر، على حد وصف أحد أعضاء اللجنة. ولكن، بالنسبة لسلمى، عملية الترميم تفوق قدراتها المالية. وبحسب أعضاء اللجنة، لن تقوم البلدية ولا أي جهة رسمية أخرى بالتدعيم. بل يمكن التعويض جزئياً على سلمى إن قامت بالتدعيم على حسابها الشخصي، من دون توضيح آلية التعويض.
رزق، يملك أكثر من شقة في مبنى في منطقة عشوائية في مدينة اللاذقية، وقد ظهرت التصدعات في أكثر من موقع من البناء. رزق، لجأ إلى مهندسين أصدقاء، وقرر التدعيم لوحده وعلى حسابه الشخصي. وأثناء عمل التدعيم، حاولت احدى لجان المحافظة التدخل ومنع استكمال العمل. فما كان من رزق إلا أن أشهر سلاحاً فردياً بوجه أعضاء اللجنة وهددهم بعدم الاقتراب.
في مثال آخر، انهار بشكل جزئي الطابق الثالث والأخير من بناء يملكه أبو حيدر، العميد المتقاعد، في إحدى قرى ريف اللاذقية. كما ظهرت تصدعات في بقية الطوابق. أبو حيدر استعان بمهندس بورشة من دمشق قامت بتدعيم المبنى وإعادة بناء ما انهار منه بعد أسبوع واحد من الزلزال. بلدية القرية لم تتدخل في حالة أبو حيدر، لكنها منعت سكاناً أخرين، لا واسطة لهم، من ترميم عقاراتهم من دون ترخيص مسبق.
وفاء، تملك منزلاً في بناء ختمته اللجان بالشمع الأحمر وصنفته آيلاً للسقوط يجب إزالته في مدينة اللاذقية. سكان المبنى، بعدما فقدوا الأمل من الحصول على أي تعويض أو وعد بسكن بديل، قرروا تدعيم المبنى على حسابهم الشخصي، ودفع رشوة بقيمة 3 مليون ليرة للجنة لتغيير وصف البناء إلى متضرر يجب تدعيمه في تقريرها. وهذا ما حدث.