لا بيوت يعود إليها سوريون مرحلون من لبنان
أوقفت السلطات اللبنانية خلال الأسابيع القليلة الماضية مئات النازحين السوريين غير الحائزين على إقامات رسمية في لبنان، ورحلت العشرات منهم إلى سوريا. وحذّرت منظمات حقوقية من أن ذلك قد يعرض السوريين المرحلين لخطر التعذيب والاضطهاد بما في ذلك الاحتجاز غير القانوني أو التعسفي، والتعذيب والعنف الجنسي، والاختفاء القسري، على يد الأجهزة الأمنية السورية. كما يواجه بعض السوريين المُرحّلين تحديات تتعلق بحقوقهم في السكن والأرض والملكية.
بحسب التقديرات الرسمية اللبنانية يقيم في لبنان مليونان و80 ألف سوري، بينما تقدر منظمات دولية عددهم بحوالي مليون ونصف، جزء كبير منهم مسجلين لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، لكنهم غير قادرين على استخراج وثائق إقامة رسمية في لبنان بسبب التعقيدات الإدارية. وبررت السلطات اللبنانية بأن المداهمات الأخيرة والتوقيف والترحيل، تأتي تنفيذاً لقرار قديم صادر في العام 2019 عن المجلس الأعلى للدفاع في لبنان، القاضي بترحيل السوريين الذين يدخلون لبنان عبر المعابر الحدودية غير الشرعية.
إبراهيم سوري من ريف مدينة القصير الحدودية مع لبنان، بريف حمص الجنوبي. ولدى إبراهيم منزل عربي مع حديقة أمامية، مسجل بشكل رسمي في السجلات العقارية باسمه، ولديه به سند ملكية نظامي “طابو أخضر“.
وكانت المعارضة السورية قد سيطرت لفترة وجيزة بين العامين 2012-2013، على القصير قبل أن تستولي عليها قوات النظام وميليشيا حزب الله اللبنانية منتصف العام 2013 وتهجّر سكانها. إبراهيم نزح عن القصير إلى لبنان، عبر أحد المعابر غير الشرعية، ويقيم في زحلة في محافظة البقاع اللبنانية. الشاب تمكنا من استخراج أوراق إقامة نظامية في لبنان في الفترة الأولى من نزوحه، لكنه فشل في تجديدها مؤخراً بسبب التضييقات من الجانب اللبناني.
أثناء ذهابه إلى عمله قبل أسبوع، أوقفت دورية من مخابرات الجيش اللبناني ابراهيم على حاجز مؤقت نصبته على الطريق العام. ورحّلته السلطات اللبنانية، مع غيره من السوريين الموقوفين لديها، إلى المنطقة الفاصلة الحدودية بين البلدين عند نقطة المصنع، لتستلمهم هناك دورية تابعة لشعبة المخابرات العسكرية السورية. وهناك، تم إجراء الفيش الأمني لإبراهيم، وتسليمه وثيقة تبليغ للالتحاق بالخدمة الإلزامية في قوات النظام، خلال مهلة 15 يوماً، صادرة عن وزارة الداخلية السورية. وبعدها تُرك ليدخل الأراضي السورية، حيث توجه إلى بلدته في ريف القصير.
وهناك، تفاجأ إبراهيم بأن عائلة غريبة تقطن منزله، من دون علمه، وترفض الخروج منه. إبراهيم قال لمراسل سيريا ريبورت بأن العائلة من مدينة حمص، وهي مؤلفة من الأب المنتسب لشعبة المخابرات العسكرية، وابنان شابان أحدهما متطوع أيضاً في المخابرات العسكرية، والآخر منضو في صفوف ميليشيا حزب الله اللبنانية. إبراهيم تقدّم بشكوى لمخفر الشرطة، حيث نصحه أحدهم هناك باللجوء إلى القضاء لاسترداد منزله المغصوب. وغصب العقار هو الاستيلاء على ملك الغير دون رضاه، أو وضع اليد على ملك الغير دون توفر سند قانوني بالملكية أو وجود سبب مشروع. وبحسب النصيحة، يجب على إبراهيم في البداية أن يلتحق بالجيش، وبعدها أن يرفع دعوى استرداد عقاره. حينها سيكون موقفه أقوى، لأن القضية حينها ستصبح الاستيلاء على منزل عنصر في الجيش.
إذ سبق أن عادت عدة عائلات طوعاً إلى منطقة القصير، ولم تفلح باستعادة أملاكها المغصوبة من قبل عناصر وضباط في قوات النظام وفي ميليشيا حزب الله، حتى بعد تقديم شكاوى ودعاوى. ووضع القصير مختلف عن بقية المناطق السورية، لأنها تعتبر حالياً منطقة نفوذ لحزب الله اللبناني الذي يقيم فيها قواعد عسكرية ومعسكرات تدريب. ولا يُسمح لغير المنتسبين لقوات النظام أو المليشيات الرديفة بالعودة والاستقرار في المنطقة.
أحمد، شاب من ريف القصير أيضاً، وحالته مشابهة لحالة إبراهيم، لكن من يستولي على منزله اليوم هم عناصر سوريون في ميليشيا حزب الله. احمد أيضاً لديه طابو أخضر بمنزله العربي القريب من الحدود والذي تعرض للضرر بسبب الاشتباكات في المنطقة، وحولته الميليشيا إلى ما يشبه النقطة العسكرية لعناصرها. في حالة أحمد، لا يمكنه استعادة منزله حتى لو التحق بالجيش، والمطالبة به ستكون عملية شاقة وطويلة وغير مضمونة النتائج. ولذلك، قرر أحمد العودة إلى لبنان عبر الدخول بطريقة غير شرعية.
في حين أن عدنان، نزح من إحدى بلدات ريف دمشق الغربي، مع عائلته في العام 2013، إلى لبنان، بسبب المعارك التي اندلعت في المنطقة بين المعارضة وقوات النظام. شقيق عدنان، كان عضواً في المعارضة المسلحة، وقتل خلال الاشتباكات مع ميليشيا اللجان الشعبية التابعة للفرقة الرابعة التي استولت على منطقتهم منذ العام 2016. وانتقاماً من أخيه، استولت اللجان على منزل عدنان، واتخذت منه مقراً لعناصرها. كما تقوم اللجان بزراعة أرض يملكها عدنان وحصادها من دون موافقته منذ العام 2017. الجيش اللبناني قبض على عدنان، خلال مداهمة منازل في حي برج حمود في العاصمة بيروت قبل أيام، مع أكثر من 50 سورياً آخر. وتعرض أولئك للشتائم والضرب، قبل اقتيادهم وتركهم في المنطقة الحدودية بعد نقطة المصنع. المخابرات العسكرية السورية أوقفت عدنان، لكنه لم يكن مطلوباً لأي جهة أمنية، ولا للالتحاق بالخدمة الاحتياطية والإلزامية، فتم تركه. يقول عدنان لمراسل سيريا ريبورت، بأنه لا يستطيع المطالبة بمنزله، إلا بالتنسيق مع اللجان التي تستولي عليه، لأن المطالبة به عبر القضاء قد تعرضه للانتقام وربما التصفية، أو تلفيق تهمة له واعتقاله.
وفي السياق ذاته، قبضت السلطات اللبنانية على 4 نازحين سوريين خلال مداهمتها لمخيم في بلدة القرعون في البقاع الغربي. النازحون الأربعة، من ريف خناصر في محافظة حلب، ونزحوا عنها في العام 2012 بعدما سيطرت على المنطقة ميليشيات موالية للحرس الثوري الإيراني. عودة الأهالي إلى المنطقة ممنوعة، فالميليشيات تعتبرها منطقة عسكرية. النازحون الأربعة، لانعدام الخيارات أمامهم، عادوا في اليوم ذاته، من معبر غير شرعي في ريف حمص إلى لبنان، بعد التواصل مع مهرب لبناني، مقابل 150 دولاراً عن الشخص الواحد.
خليل، نازح سوري إلى لبنان منذ العام 2012، من ريف السلمية في محافظة حماة. لدى خليل منزل عربي وأرض زراعية مساحتها 150 دونماً. المنطقة تعرضت لدمار كبير خلال الاشتباكات بين المعارضة والنظام.السلطات اللبنانية اعتقلت خليل قبل أيام، عبر حاجز طيّار على طريق زحلة العام. الملفت في قصة خليل، أنه ومن معه من موقوفين، تم تركهم في نقطة المصنع، حيث استقبلهم مهربون مرتبطون بالفرقة الرابعة، وعرضوا عليهم إعادة إدخالهم إلى لبنان عبر ممر جبلي، مقابل 100 دولار على الشخص. وهذا ما حدث. منزل خليل في ريف حماة تعرض لدمار كامل، وأرضه استولى عليها أشخاص مرتبطون بقوات النظام ويزرعونها. كما أن خليل فقد وثائق الملكية بأرضه ومنزله خلال النزوح. وعدا عن دما منزله، والاستيلاء على أرضه، المنطقة تفتقد للكهرباء والبنى التحتية، فضلاً عن الألغام المنتشرة في المنطقة، ما يجعل من العودة إليها أمراً صعباً بالنسبة لخليل وعائلته.