لا بيوت للعائدين إلى عين الفيجة
سمحت قوات النظام لبعض النازحين بالعودة إلى بلدة عين الفيجة في ريف دمشق، نهاية العام 2022. ومنذ ذلك التاريخ، تفقد العشرات من أهالي البلدة منازلهم، لكن عدداً قليلاً منهم اختار الاستقرار فيها بسبب الدمار الكبير الذي لحق بعقاراتهم والبنى التحتية الأساسية خاصة شبكة ماء الشرب، وصعوبات الترميم، وعدم ترحيل الأنقاض.
عين الفيجة، هي بلدة وتتبع إدارياً لمنطقة الزبداني، وهي أيضاً مركز ناحية تضم 9 بلدات وقرى تعرف باسم قرى وادي بردى. وتبعد البلدة حوالي 15 كيلومتراً عن مركز مدينة دمشق إلى الغرب، ونبعها هو المصدر الرئيسي لمياه الشرب لمدينة دمشق وجزء من ريفها. وعدد سكان عين الفيجة كان قرابة 6 آلاف قبل العام 2011 بحسب تقديرات أهلية. وقد سيطرت المعارضة المسلحة المحلية على عين الفيجة منذ شباط 2012، فتعرضت إلى حصار خانق، وقصف مستمر وعمليات اقتحام متكررة من قبل قوات النظام.
وكانت المعارضة تلجأ للتهديد بقطع الماء عن دمشق لتحسين ظروف المدنيين في البلدة. في كانون الأول 2016، شنت قوات النظام مدعومة بميليشيا حزب الله اللبنانية عملية عسكرية ضد المعارضة في البلدة، ما تسبب بدمار كبير لنبع الفيجة بسبب القصف المدفعي والجوي. وتمكنت قوات النظام من دخول عين الفيجة في 28 كانون الثاني 2017، وسيطرت على النبع، بعد التوصل لاتفاق يقضي بالتهجير القسري للسكان خرج على إثره 2100 شخصاً إلى الشمال السوري.
في العام 2018 صدر القانون رقم 1 الخاص بإنشاء حرمين حول نبع الفيجة؛ حرم مباشر ويضم الأرض الواقعة حول المصدر المائي، وحرم غير مباشر يحيط بالحرم المباشر. ونص القانون على استملاك العقارات وأجزاء العقارات الواقعة ضمن الحرم المباشر للنبع. كما نص القانون، على إنشاء حرمين آخرين، مباشر وغير مباشر، على طول نفقي جر المياه من نبع الفيجة إلى دمشق. ونص القانون على تعديل المخطط التنظيمي لبلدة عين الفيجة بحيث تلغى المناطق السكنية الواقعة ضمن الحرم المباشر.
وسمح فقط لأصحاب العقارات في الحرم غير المباشر للنبع والنفق، بترميم المساكن القائمة فقط. كما نص القانون على الإبقاء على المنشآت السكنية المشادة قبل صدور هذا القانون في الحرم غير المباشر، ضمن مجموعة من الشروط. وتقع كثير من بيوت ومساكن بلدة عين الفيجة القديمة ضمن منطقتي الحرم المباشر للنبع والنفق.
وفي معرض تنفيذ القانون هدمت قوات النظام وجرفت منازل وأحياء سكنية كاملة في عين الفيجة التي بلغت حصتها من الحرم المباشر 45 هكتاراً، خضعت للاستملاك وإزالة كافة الإشغالات عنها. قوات من الحرس الجمهوري قامت بتعفيش ما يمكن إعادة تدويره واستخدامه من محتويات البيوت قبل تدميرها، ومن ذلك السيراميك الأبواب والنوافذ وتمديدات الكهرباء، وبعد تفجيرها تم سحب الحديد منها. مصادر سيريا ريبورت قالت بأن الحرس الجمهوري كان يبيع الحديد إلى شركة لديها مكابس ضخمة لتشكيل المعادن المسحوبة على شكل مكعبات ضخمة، لتسهيل تحميلها ونقلها.
بعد ذلك كان يجري توزين حمولة المعادن في منطقة تجميع في مدخل عين الفيجة، قبل تحميلها في الشاحنات ونقلها إلى أفران صهر. بعد ذلك، أدخلت محافظة ريف دمشق عشرات الآليات الثقيلة إلى عين الفيجة، لتجريف منطقتي الحرمين، انطلاقاً من جسر البلدة إلى منطقة حاروش، مروراً بالساحة الرئيسية وساحة المطاعم على ضفتي النبع. وترجح مصادر أهلية بأن أكثر من نصف الأبنية في البلدة قد تم تجريفها. وبقيت فعلياً فقط منطقة الحقول من جهة بلدة بسيمة هي الوحيدة المتبقية الصالحة للسكن والناجية من عمليات التجريف.
بعد ذلك، تعاقدت محافظة ريف دمشق مع الشركة العامة للدراسات الهندسية التابعة لوزارة الأشغال العامة والإسكان، في آب 2020، لإعداد المخططات التفصيلية والتنظيمية والتنفيذية الخاصة بإنشاء ضاحية وادي بردى شرقي عين الفيجة، قالت إنها ستكون بمثابة سكن بديل غير مجاني لأصحاب العقارات المستملكة بموجب القانون.
في نهاية العام 2020 سمحت قوات النظام للمرة الأولى لبعض المُهجرين بزيارة وجيزة لتفقد أملاكهم في البلدة، من دون السماح لهم بالإقامة فيها. وبعدها سُمح للأهالي بتقديم طلبات عودة، وذلك ضمن البناء المؤقت لمجلس عين الفيجة المحلي في بلدة جديدة الوادي، بسبب دمار مبنى مجلس عين الفيجة. وبعد الموافقة الأمنية على طلب العودة، يجوز تقديم طلب ترميم للمنزل إن كان واقعاً فقط في منطقة الحرم غير المباشر.
مراسل سيريا ريبورت في المنطقة أوضح بأنه يتوجب على الراغب بترميم منزله، تقديم طلب إلى المجلس البلدي للحصول على رخصة ترميم، مرفقاً بوثائق تثبت ملكية العقار. بعد ذلك، يجب الحصول على تقرير من قبل لجنة السلامة الإنشائية في محافظة ريف دمشق، يُحدد فيه نسبة الضرر في البناء المرغوب بالعودة إليه.
وبحسب مصادر سيريا ريبورت، فقد أعطيت رخصة ترميم لبعض المنازل تجاوزت نسبة الضرر فيها 60%. كما أن إصدار رخصة الترميم، مرتبطة أيضاً بالحصول على موافقة أمنية. وفي عين الفيجة، تعطي تلك الموافقة، شعبة الأمن السياسي ومفرزة الحرس الجمهوري في قوات النظام، وهما القوتان المسيطرتان على البلدة.
في 5 أيار 2023، قال رئيس المجلس المحلي في البلدة لصحيفة الوطن شبه الرسمية، إن العشرات فقط يقيمون حالياً في البلدة، وأضاف أن السبب يعود لعدم توافر مياه الشرب. وأكد أن عملية ترميم شبكة ماء الشرب قد توقفت، فيما لم تبدأ عملية ترميم شبكات الصرف الصحي. ويعود ذلك بسبب خضوع البلدة للقانون رقم 1 لعام 2018، القاضي بإنشاء حرم حول نبع الفيجة، والذي يفرض أن تنفيذ شبكات الصرف الصحي في البلدة بطريقة تقنية مانعة للتلوث. شبكة الكهرباء ليست أفضل حالاً، ومن أصل ثلاث محولات تم تركيب واحدة فقط، من دون وصلها بالشبكة.
وبحسب مراسل سيريا ريبورت، ما زال في البلدة أكثر من 4 آلاف متر مكعب من الأنقاض، لم يبدأ ترحيلها بعد من قبل مديرية الخدمات الفنية في محافظة ريف دمشق أو الشركات الإنشائية العامة. وكانت ورشات من المجلس البلدي بالتعاون مع ورشات خاصة صغيرة، وفق عقود مؤقتة، قامت بفتح معظم الطرق الرئيسية وترحيل الأنقاض منها إلى الشوارع الفرعية. وأحياناً يلجأ السكان إلى ترحيل الأنقاض يدوياً من أمام مساكنهم في الطرق الفرعية، ووضعها على الطرق الرئيسية داخل البلدة. والأنقاض المتبقية تخلو من المعادن والمواد القابلة للتدوير. ويفسر ذلك عدم اهتمام الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة في ترحيلها.
في 10 كانون الثاني 2023، قال رئيس المجلس بلدة الفيجة محمد شبلي لوكالة سانا الرسمية، إنه تمت الموافقة على طلبات قدمتها 500 عائلة لترميم منازلها، بعدما خلصت لجنة السلامة الإنشائية في محافظة ريف دمشق بأنها سليمة يمكن ترميمها. وأضاف أن العائلات بدأت إزالة الأنقاض من المنازل وترحيلها، وتعهد بالعمل على تأهيل البنى التحتية بالتوازي مع عمليات الترحيل.
مراسل سيريا ريبورت نقل عن مصادر أهلية في البلدة، تشكيكها بمنح البلدية 500 رخصة ترميم، مؤكدة أن عدد البيوت القابلة للترميم في البلدة أقل من ذلك بكثير. مصدر من البلدة شرح بأن المعضلة الأساسية هي بصعوبة الحصول على رخص بناء جديدة للأبنية المدمرة كلياً، خارج منطقتي حرمي النبع ومجراه، وضمن المنطقة المنظمة من البلدة. ويعود ذلك جزئياً إلى أن معظم بيوت البلدة كانت طابقية، مكونة من عدد من الشقق، وهي مملوكة على الشيوع وغير مفرزة. ويجب إرفاق طلب الترخيص بمخطط إفرازي، يحدد ملكية كل منهم وموضعها، وهذا يتطلب بدوره اتفاقاً بين المالكين، وفرزاً للعقار. وفي حالة تعدد المالكين لعقار واحد، ووجود مخطط إفرازي بحصصهم، يجب الحصول على موافقة أمنية لكل منهم، للحصول على رخصة بناء. ولأن بعض أولئك المالكين من المُهجّرين قسرياً والمطلوبين للأجهزة الأمنية، فذلك يمنع عنهم الموافقة الأمنية، ما يعطل إصدار رخصة البناء. في حالات أخرى، حالت التكاليف المالية لرخص البناء، دون موافقة بعض الملاك على الشيوع عليها.