كيف خسر إبراهيم أرضه ومنزله في باسيليا سيتي؟
مطلع العام 2011، اشترى إبراهيم، قطعة أرض صغيرة في عشوائية بيادر نادر قرب كفرسوسة في العاصمة دمشق. إبراهيم بنى منزلاً صغيراً غير مرخص على تلك الأرض، لكنه اضطر للهرب من دمشق بسبب مواقفه السياسية المعارضة للنظام. وبسبب غيابه، استولى أحدهم على منزله، وباعه. ثم خضعت كامل المنطقة للتنظيم، كجزء من المنطقة التنظيمية الثانية في دمشق، التي أحدثها المرسوم 66 لعام 2012، والمعروفة باسم باسيليا سيتي. إبراهيم، خسر منزله، ويصعب عليه حالياً حتى تحصيل حقوقه التي أقرها المرسوم 66.
الأرض التي اشتراها إبراهيم، وهو بالأصل من دير الزور، مساحتها 4 قصبات (95 متراً مربعاً)، بقيمة 45 ألف ليرة سورية (بحدود ألف دولار، في العام 2011). وعلى غرار جميع العشوائيات المبنية على أراض زراعية خاصة يمنع البناء عليها، كان ما اشتراه إبراهيم فعلياً مجرد حصة سهمية من العقار الزراعي الأصلي. وبالتالي، أصبح إبراهيم، أحد الملّاك على الشيوع لذلك العقار، من بين عشرات آخرين، معظمهم من ديرالزور. والملكية على الشيوع هي امتلاك شخصين أو أكثر شيئاً واحداً بحيث تكون حصة كل منهما غير مُفرَزَة أو محددة، وبالتالي فهم شركاء على الشيوع. ولا يمكن إفراز الأراضي الزراعية تلك، ولا انهاء الملكية على الشيوع فيها. والإثبات الوحيد للملكية في هذه الحالة يكون عبر عقد بيع موثق لدى الكاتب بالعدل، يتم فيه تحديد حصة المشتري السهمية، وقد يتضمن بياناً لموقع الأرض، ووصفاً للعقار إن كان مبنياً. في كل الأحوال، لا تسجل الأبنية المبنية على الأرض المباعة بهذه الطريقة، ولا البيوع العقارية لها، في السجلات العقارية.
صاحب الأرض الأصلية من عائلة تعمل في مجال التعهدات والبناء وتجّارة العقارات، ولبعض أفرادها علاقات جيدة مع متنفذين في النظام، ومسؤولين في ميليشيا حزب الله اللبنانية. يقول إبراهيم، بأن العائلة كانت توظف تلك العلاقات في عملها لحلحلة بعض القضايا العقارية المعقدة. ومع اندلاع الثورة السورية في العام 2011، قرر إبراهيم البناء على قطعة الأرض تلك من دون ترخيص. إبراهيم استغل تراخي السلطات البلدية في ملاحقة مخالفات البناء في تلك الفترة، ومستفيداً من الخدمات التي قدمها له بصاحب الأرض، وهو متعهد بناء أيضاً. المتعهد بنى خلال أشهر قليلة منزلاً من طابق واحد مؤلف من 3 غرف وصالون، ومطبخ وحمام. وبلغت كلفة البناء 700 ألف ليرة، دفعها إبراهيم للمتعهد، واستخرج ساعة كهرباء وعداد مياه للمنزل.
قصة إبراهيم ليست فريدة من نوعها، بل أن المتعهد ذاته، بنى في نفس الفترة عشرات المساكن غير المرخصة، والمتماثلة، على قطع أرض صغيرة في بيادر نادر، لعشرات الأشخاص، معظمهم من ديرالزور.
إبراهيم، لم يسكن منزله ذلك، بل دفعته نشاطاته المعارضة للنظام لمغادرة سوريا بعدما أصبح مطلوباً للأجهزة الأمنية. وللمحافظة على المنزل في فترة غيابه، قام إبراهيم بتأجيره إلى أحد معارفه. أمر مماثل حدث مع بعض أقران إبراهيم من أبناء ديرالزور، الذين بنوا منازل لهم في العشوائية بنفس الطريقة في الفترة ذاتها.
في العام 2012، صدر المرسوم التشريعي رقم 66 لعام 2012 نص على إحداث منطقتين تنظيميتين في نطاق محافظة دمشق ضمن المصور العام لمدينة دمشق، إحداها هي باسيليا سيتي، التي تبلغ مساحتها 954 هكتاراً وتضم عشوائية بيادر نادر. ولم يتم البدء بتنفيذ المنطقة التنظيمية في تلك المرحلة بسبب المعارك على الأرض.
في هذه المرحلة، انتمى المتعهد لميليشيا الدفاع الوطني المسلحة الموالية للنظام، وبات قائداً لمجموعتها المحلية في بيادر نادر التي اقتربت الاشتباكات منها ما بين العامين 2013-2014، مع سيطرة المعارضة على مخيم اليرموك والقدم المجاورتين. وبعدما تأكد من غيابه، طرد المتعهد المُستأجر من منزل إبراهيم، وأجّره إلى أحد معارفه، مستغلاً حالة الفوضى في المنطقة. المتعهد فعل الأمر ذاته مع الغائبين من أصحاب المساكن غير المرخصة التي سبق وبناها في المنطقة، واستولى عليها بوضع اليد، وطرد شاغليها، وقام بتأجيرها لأشخاص آخرين.
إبراهيم الممنوع من العودة، اكتشف بمحض الصدفة، أن هناك من اشترى منزله، وهو من إدلب. وعندما قام أحد أقرباء إبراهيم بزيارة المنزل، أبرز شاغله أبرز عقد بيع يثبت شراءه المنزل من المتعهد ذاته، صاحب الأرض الأصلية.
وبما أن ملكية إبراهيم هي مجرد أسهم على الشيوع غير مفرزة ولا محددة، فهي يمكن أن تكون في أي مكان ضمن الأرض الأصلية. وبالتالي، يمكن لغاصب العقار أن يبيع البيت ذاته مراراً، طالما أن عقود بيع تلك البيوت غير مسجلة في السجلات العقارية، وأن أصحابها الأصليين غير قادرين على العودة وإثبات ملكيتهم عبر القضاء.
مع عودة الاستقرار للمنطقة، واستعادة قوات النظام السيطرة عليها، في العام 2018، بدأت محافظة دمشق العمل بمشروع باسيليا سيتي. وبدأت تحضير مناطق واسعة من الأرض التي يشملها المشروع، ومنها أجزاء من بيادر نادر التي تم إخلاء سكانها.
بحسب المرسوم 66، وكذلك القانون 10 لعام 2018 المعدل له، تتم إعادة توزيع عقارات المنطقة على أصحاب الحقوق بعد التنظيم عبر الأسهم التنظيمية، بموجب نتائج عمل لجان الحصر والتوصيف. ومن يملك أرضاً زراعية ضمن منطقة المرسوم، ولم يقم عليها أي بناء، فيحصل فقط على تعويض مالي عن أرضه، يحدد من قبل المحافظة.
ابراهيم، لم يتمكن من معرفة ماذا حلّ بمنزله، وإن كان قد تم اخلاءه وإزالته، أو ما زال قائماً يتم تأجيره لغرباء. ولكن ما يعرفه، أن اسمه قد ورد ضمن لوائح المشمولين بالتعويض المالي في باسيليا سيتي، بوصفه مالكاً على الشيوع لحصة سهمية من الأرض الزراعية قبل التنظيم. ولأن إبراهيم مطلوب للأجهزة الأمنية، فهو يخشى العودة والمطالبة بحقوقه، والإثبات عبر القضاء بأنه كان يملك بيتاً غير مرخص في المنطقة قبل التنظيم، بما يخوله الحصول على أسهم تنظيمية في المنطقة بعد التنظيم.
بحسب المرسوم 66، يحصل المالك الشاغل لعقاره قبل التنظيم، على أسهم تنظيمية وحق الاكتتاب على السكن البديل غير المجاني. أما إذا كان مالكاً غير ساكن في عقاره، فيحصل على أسهم تنظيمية فقط. أما إذا كان شاغلاً فقط للعقار فيحصل على حق الاكتتاب على السكن البديل غير المجاني.