قصص نساء خسرن أزواجهن.. وحقوقهن بالسكن والملكية
مع فقدان كثير من النساء السوريات لأزواجهن بسبب مجريات القتال أو الاعتقال والاختفاء القسري، فقدن أيضاً حقوقهن في السكن، الأرض والملكية. بعض تلك النسوة وجدن أنفسهنّ في مواجهة خيارات صعبة؛ إما المحافظة على تلك الحقوق بشروط تمليها عائلة الزوج المتوفى، أو خسارتها.
قصة سمر، الأم الثلاثينية لطفلين، والنازحة من المليحة في الغوطة الشرقية إلى جرمانا بريف دمشق، تلقي بعض الضوء على معاناة تلك النسوة. في نهاية العام 2011، وعقب تطور الأحداث إلى اشتباكات مسلحة بين المعارضة والنظام في المليحة، نزحت العائلة إلى جرمانا المجاورة والخاضعة لسيطرة النظام. وهناك استأجرت العائلة منزلاً، عسى أن تهدأ الأمور وتعود قريباً إلى المليحة. لكن ذلك كان مجرد وهم. إذ اعتُقِلَ زوج سمر، الحدّاد غير المهتّم بأي نشاط معارض ضد النظام، في مداهمة أمنية في جرمانا. اعتقال الزوج تم فقط لأنه من المليحة، وهو اعتقال متعارف عليه باسم اعتقال “بسبب الهوية”. ومنذ ذلك الوقت، اختفى الزوج قسرياً، ولم تتمكن سمر من معرفة مصيره، ولا الجهة التي تعتقله.
سمر كانت قد تزوجت بعمر صغير، وسرعان ما حبلت وأنجبت، وأصبحت ربة منزل. وذلك، لم تتمكن من إكمال تعليمها ولم يسبق لها العمل. لذا، وبعد تغييب زوجها، لم تعد قادرة على دفع الإيجار، وانتقلت مع أطفالها للمبيت مجاناً في مستودع تجاري في جرمانا، تعاطف صاحبه معهم. ومنذ ذلك الوقت، بدأت تعمل في تنظيف المنازل في جرمانا، لتطعم عائلتها الصغيرة.
سمر عرفت في منتصف العام 2015، صُدفة، بمقتل زوجها تحت التعذيب. وبعد انتهاء المعارك في العام 2018، واستعادة قوات النظام السيطرة على كامل الغوطة الشرقية، قررت سمر العودة إلى المليحة حيث لدى عائلة زوجها مبنى من عدة طوابق، وفيه لزوجها الراحل شقة ومحل تجاري في الطابق الأرضي.
والد زوج سمر، عرض عليها الزواج من ابنه الثاني، شقيق زوجها، وهو متزوج ولديه أطفال. وبرر والد الزوج ذلك بأن سمر امرأة وحيدة، وسيأتي وقت وتتزوج فيه. ومن الأفضل أن تتزوج شقيق زوجها، ما سيحمي أطفالها ويحافظ على ملكية زوجها المتوفي. وترافق ذلك مع تهديد ضمني، بأن رفض العرض يعني عدم العودة إلى المنزل، وعدم الحصول على عائدات إيجار المحل التجاري، وربما أيضاً انتزاع حضانة الأولاد. حاولت سمر إقناع والد زوجها، بأنها لن تتزوج أبداً وتتفرغ لتربية الأولاد في منزل والدهم وتحت إشرافه. لكن والد زوجها أصر على أن العودة مرهونة بالزواج من ابنه الثاني.
سمر لم ترضخ لتلك التهديدات، ورفضت الزواج بشقيق زوجها المتوفى. وتقول سمر لمراسلة سيريا ريبورت بأن حياتها خلال سنوات الحرب في جرمانا، وهي منطقة مختلطة نسبياً وأكثر انفتاحاً من المليحة ذات الأغلبية المحافظة، ساهمت في دعمها باتخاذ ذلك القرار. فالحياة في جرمانا علمتها الاعتماد على الذات بعيداً عن سطوة المجتمع، والاقتداء بنماذج نساء متعلمات وعاملات معتمدات على ذواتهن.
تقول سمر، بأنها قررت المضي بقرارها إلى النهاية وتحمّل تبعاته. فبقيت وأولادها في المستودع إياه، لكنها بدأت تعمل في محل تجاري، بالإضافة إلى استمرارها في تنظيف المنازل. وقد مكنها هذا الدخل الإضافي من البدء في دفع نصف إيجار لصاحب المستودع، بعد سنوات من العيش فيه بلا مقابل. تلك الخطوة أعطت سمر ثقة إضافية بالنفس، وقدرة على مواجهة عائلة زوجها. وطلبت سمر الدعم من مجموعة ناشطات وناشطين في جرمانا، لتأمين الدعم القانوني لها للحفاظ على حضانة أولادها. في المقابل، مُنعت سمر من السكن في منزل زوجها السابق، وكذلك من إيرادات محله التجاري.
وفي قصة معاكسة، نوال من القلمون في ريف دمشق، قررت الخضوع لعائلة زوجها بعد مقتله برصاص طائش في العام 2016. إذ أن نوال، الأم والمهندسة، رغم استقلالها المادي ودعم عائلتها، واجهت ضغطاً حاداً من عائلة زوجها للزواج من أحد إخوته، وسط تهديدها بخسارة الكثير من حقوقها. وهنا أيضاً، والد الزوج المتوفى، قاد عملية الضغط على الأرملة. وبحسب والد الزوج، فابنه المتوفى كان غنياً جداً وقد ترك أموالاً وعقارات كثيرة، ينبغي الحفاظ عليها ضمن العائلة والحرص على عدم التفريط بها.
والد الزوج، ضغط كثيراً على نوال للزواج بابنه الثاني، الذي يصغرها بسنوات. وعندما لم تفلح جهوده في إجبار نوال على ذلك، قام بتحريض ابنائه لوضع يدهم على بقية العقارات والأراضي. وجميع العقارات كانت مسجلة مناصفة بين نوال وزوجها. ومع ذلك، لم تتمكن نوال من التصرف بأي من أملاكها باستثناء المنزل الذي تسكنه وأولادها. إذ أن والد الزوج تصرف بممتلكات ابنه المتوفى، كما لو كانت له، ومنع نوال من الحصول على أي من إيراداتها.
نوال، وأمام هول خسارة كامل أملاكها وأملاك زوجها الراحل، والتفريط بحصة أولادها، قررت الخضوع في النهاية والزواج بشقيق زوجها. تقول نوال لمراسلة سيريا ريبورت، إنها استسلمت لأنها تريد العيش بسلام مع أولادها، وتريدهم أن يرثوا أملاك والدهم الراحل.