غصب العقارات في عشوائية عش الورور بدمشق
خلال سنوات النزاع الماضية، تعرض كثير من سكان عشوائية عش الورور بدمشق، للطرد من منازلهم بسبب انتمائهم الطائفي أو العرقي، أو بسبب توجهاتهم السياسية. واستولى على أملاك أولئك الغائبين ميليشيات موالية للنظام، أو نازحين جدد إلى المنطقة.
عشوائية عش الوَروَر ظهرت مطلع السبعينات كأبنية متفرقة في منطقة جبلية وعرة مطلة على برزة البلد، وهي مقامة على أملاك عامة وضع السكان يدهم عليها وقسّموها إلى محاضر صغيرة بنوا عليها بيوتاً متلاصقة، تخلو من شروط السلامة الإنشائية. وتعود ملكية أراضي الحي إلى بلديتي برزة بدمشق ومعربا بريف دمشق، ما يجعله يتبع إدارياً لسلطاتهما البلدية، إلا أن محافظة دمشق مسؤولة مباشرة عن تقديم الخدمات فيه، في حين أنه يخضع لسلطة شرطة القابون.
وينحدر معظم سكان العش من علويي منطقة مصياف في ريف حماة، وسُميّت بعض الحارات فيه على اسم قرى مصياف، مثل دير ماما والنقير وبعرين. كما يضمّ العش حارات صغيرة تركّز فيها مهاجرون سنّة من ديرالزور والقلمون بريف دمشق، وأيضاً أكراد مهاجرون من شمال شرق سوريا. نسبة كبيرة من سكان العش هم من أصحاب الدخل المحدود وصغار موظفي القطاع العام والوزارات، خصوصاً الجيش والأجهزة الأمنية.
قبل العام 2011 كان الوضع الخدمي سيئ على مختلف الأصعدة في عش الورور. مثلاً، لم يكن الحيّ مخدماً بخط مواصلات من وإلى العاصمة دمشق، وكانت سيارات الأجرة غالباً ما تمتنع عن دخوله بسبب وعورة طرقاته وضيقه. شبكة الماء والصرف الصحي كانت متهالكة، غالباً ما قام السكان بتمديد مقاطع منها على حسابهم الشخصي، وسط غياب المتابعة والإشراف على صيانتها من قبل مؤسسات المياه والصرف الصحي الحكومية. سكان العشوائية كانوا يعتمدون في تأمين حاجاتهم الاستهلاكية والغذائية من حي برزة المجاور، بسبب انعدام الأسواق في العش.
في العام 2011 ومع زيادة الاستقطاب الطائفي مع برزة، تشكلت لجان شعبية مسلحة موالية للنظام في عش الوَروَر انضمّت نهاية 2012 إلى قوات الدفاع الوطني. وقد خاضت قوات الدفاع الوطني في العش وقوات المعارضة في برزة معارك عنيفة تدمّرت على إثرها المنطقة الفاصلة بينهما نهاية 2013. كما تبادل الطرفان عمليات تطهير طائفية لطرد من تبقى من السنّة في العش ومن العلويين في برزة. وقد سيطرت ميليشيا الدفاع الوطني على تلك البيوت في عش الورور، ووزعتها على عائلات عناصرها من الحي ومن النازحين العلويين القادمين من شارع البعث في عشوائية حي تشرين المحاذية للقابون .
علياء، وأصلها من الساحل السوري، تعيش مع زوجها في حارة كان يتركز فيها الكرد في عش الورور. الكرد ومعظمهم من السنّة، لم يدخلوا في نزاع مفتوح مع قوات النظام على أساس طائفي، في معظم مناطق انتشارهم في سوريا ومنها عش الورور. ومع ذلك، تم طرد أغلب الكرد من عش الورور، واستولت الدفاع الوطني على بيوتهم وأسكنت فيها عائلات عناصرها. قالت علياء، أن البعض من أولئك الكرد هاجروا إلى أوروبا، وبعضهم نزحوا إلى الحسكة. تقول علياء، إن ميليشيا الدفاع الوطني، بررت عملية الاستيلاء على عقاراتهم بأن دولة كردية قد أقيمت في شمال شرق سوريا (الإدارة الذاتية)، ويجب عليهم الرحيل إليها.
تضيف علياء، بأنه منذ عامين عاد القليل من أولئك الكرد، وطالبوا باستعادة بيوتهم. طلب البعض منهم المساعدة من مفرزة الفرقة الرابعة الموجودة في عش الورور، لاستعادة منازلهم واخلائها من شاغليها. في بعض الحالات، تدخلت الفرقة الرابعة، وأخلت الشاغلين، بعدما أبرز العائدون فواتير الماء والكهرباء، وشهد شهود من معارفهم وجيرانهم القدماء العلويين بأنهم أصحاب المنازل الأصليين. في حالات أخرى، رفض الشاغلون الحاليون لتلك العقارات إخلائها.
رامية، فتاة كردية كانت تسكن عش الورور مع والدتها وأخوتها، في بناء طابقي بناه والدها المتوفى. مع تصاعد العنف في الحي، هاجر جميع أخوتها الذكور إلى أوروبا، وانتقلت رامية للسكن في حي ركن الدين الدمشقي المجاور ذي الغالبية الكردية، بينما استولت على بنائهم ميليشيا الدفاع التي وزعت شققه على عائلات عناصرها. احتفظت رامية بكل الوثائق التي تثبت ملكية عائلتها للبناء وهي عبارة عن إيصالات بدفع فواتير ماء وكهرباء وتلفون. منذ عام تقريبا، رفعت رامية شكوى في النيابة العامة، بجرم السرقة ضد شاغلي البناء. إذ أكد لها أحد المحامين أنها لن تستطيع استعادة البناء برفع دعوى غصب عقار، بل فقط إذا تقدمت بشكوى جنائية. وبالفعل، رافقت رامية دورية شرطة دفعت لها رشوة كبيرة، ساعدتها على استعادة البناء.
ويصعب على سكان العشوائية رفع دعوى غصب عقار، طالما لا يملكون وثائق كافية بملكياتهم. ولذا، فمن الأسهل التقدم بشكوى للنيابة العامة في دمشق، يذكر فيها الشاكي أن منزله تعرّض للسرقة، ثم جرى الاستيلاء عليه. وهنا، تقوم النيابة بتحويل الشكوى إلى قسم شرطة القابون، والذي يرسل بدوره دورية من الشرطة إلى المنزل لإخلائه من شاغليه. الدورية تطلب في الموقع حضور شهود، لتأكيد ملكية الشاكي لمنزله. في أحيان أخرى، يستعين الشاكي بمفرزة الفرقة الرابعة للقيام بنفس المهمة رغم أنها ليست من صلاحياتها.
سعيد من إدلب وهو من سكان في حارة تقطنها غالبية من ديرالزور في عش الورور، وقد تم طرده من منزله الذي بالقوة، بعدما اقتحم منزله مجموعة من الشبان وقاموا بضربه واتهموه بالانتماء إلى فصيل معارض. وأغلب السنّة المطرودين من عش الورور كانوا من ادلب، وغالباً عبر اعتقال بعض أفراد العائلة، أو اتهامهم بالانتماء لفصائل معارضة وتهديدهم وتخويفهم. سعيد، لم يغادر البلاد، بل استأجر منزلا في حي مجاور. وفي منزله في عش الورور سكنت عائلة علوية. سعيد يخشى لحد اليوم اللجوء إلى أي نوع من السلطات لاستعادة منزله، وليس لديه نية بالرجوع إلى الحي، بعدما تعرض له. وأقصى طموح سعيد حالياً أن تدفع العائلة التي تقطن منزله ايجاره.
في المقابل، رضا، شاب علوي كان يعيش وعائلته في منزل مُستأجر في حي برزة البلد. ولدى رضا، أخ متطوع في المخابرات، والعائلة كلها مؤيدة للنظام. العائلة تعرضت لتهديدات من فصائل المعارضة كي ترحل عن برزة، عبر منشورات وضعت أمام منزلهم تدعوهم لمغادرة الحي، أو بالكتابة على بابهم عبارات تحمل تهديدات. وبالفعل خرجت العائلة من برزة، نهاية العام 2011، وسكنت في بناء في عش الورور، صاحبه من برزة، وقد نزح عنه. البناء مؤلف من ثلاثة طوابق بالقرب من الطريق العام الواصل إلى مشفى تشرين العسكري. وقد استولت عائلة رضا على البناء بالكامل، ورفضت تقاسمه مع عناصر الدفاع الوطني. في العام 2016 اندلعت مواجهة بين الطرفين استخدمت فيها القنابل والأسلحة الخفيفة. وما زالت العائلة تسكن المبنى، وتحظى بدعم من مختار الحي المعروف بعلاقاته الوطيدة مع مسؤولين رفيعين في الأجهزة الأمنية والعسكرية.