غصب أملاك المعارضين
بعد حملة الاعتقالات الواسعة في العام 2013، وما أعقبها من لجوء أعداد كبيرة من المعارضين والمعارضات للنظام خارج سوريا، استولت بعض أجهزة النظام الأمنية والعسكرية بالغصب على كثير من أملاك المعتقلين واللاجئين. والمميز في كثير من هذه العقارات، أنها ليست خاضعة لقرارات الحجز التنفيذي أو الاحتياطي الصادرة عن محكمة الإرهاب، بل تم غصبها بعدما هرب أصحابها، أو جرى اعتقالهم.
وفي الكلام الدارج غالباً ما تستخدم كلمة استيلاء بدل غصب، ولكن القانون المدني عرّف الاستيلاء بأنه وضع اليد على شيء لا مالك له، ويمكن أن يصبح من أسباب اكتساب الملكية إذا توفرت نيّة التملك. أي أن الاستيلاء يقع على شيء لا مالك له، وبالتالي فهو لا يُشكّل جرماً.
في حين عرّف قانون العقوبات غصب العقار بالاستيلاء على مُلكِ الغير دون رضاه، أو وضع اليد على مُلك الغير دون توفر سند قانوني بالملكية أو وجود سبب مشروع.
ويتم غصب العقار أحياناً بشكل ممنهج، حيث تستولي الأجهزة الأمنية بالقوة على بيوت محددة في مناطق معينة، ثم تقوم بتوزيعها على أشخاص مُختارين. في أحيان أخرى، تبدو عمليات الغصب عشوائية، يقوم بها عناصر الأجهزة الأمنية والعسكرية من تلقاء أنفسهم.
أبو صافي، الذي يعمل حالياً كمستشار اقتصادي رفيع، كان قد شكّل مليشيا مسلحة موالية للنظام قاتلت المعارضة في غوطة دمشق الشرقية. في العام 2013، قرر جهاز أمني أن منزل أبو صافي في أحد ضواحي ريف دمشق بات غير آمن، وسلّمه منزلاً فخماً في محيط أحد المربعات الأمنية في العاصمة دمشق. والمنزل مستولى عليه بالغصب منذ العام 2012، وليس معروفاً إن كان أصحابه معتقلين أو لاجئين. العقار ليس خاضعاً للحجز التنفيذي أو الاحتياطي، بحسب مصادر سيريا ريبورت.
أبو محمد، متطوع في أحد أجهزة الأمن، كان متزعماً لمليشيا موالية مقاتلة رغم أن وظيفته الأصلية هي سائق مكلّف بمرافقة “الضيوف من خارج القطر”، أي عناصر المليشيات الموالية للنظام اللبنانية والعراقية. أبو محمد، وهو علوي من حمص، لا يملك بيتاً، بل يقطن في منزل استولت عليه المخابرات الجوية بالغصب في إحدى ضواحي ريف دمشق السكنية.
ولا تبدو عمليات الغصب فوضوية، بل تحكمها مجموعة من المعايير الخاصة بأجهزة النظام الأمنية والعسكرية. على سبيل المثال، غصب المنازل لا يجري عادة في المناطق المعروفة بمعارضة النظام، لأن السكن فيها قد لا يكون آمناً للسكان الجدد، وذلك بحسب ما قاله لمراسل سيريا ريبورت، ضابط في جهاز أمني. بل يتم اختيار البيوت في مناطق مختلطة، مثل المزة وشارع بغداد في العاصمة دمشق، وضواحي قدسيا و الأسد في ريفها.
الأمر أحياناً يبدو أكثر فوضوية، ويتم بغصب العقار مباشرة من قبل عناصر في الأجهزة الأمنية والعسكرية، مستغلين مناصبهم، وحالة الخوف التي يثيرونها في محيطهم. أبو علي، صاحب مكتب عقاري، يؤكد لمراسل سيريا ريبورت، إن أحد المنازل التي يعرضها للبيع سعرها منخفض لأنها تقع فوق منزل استولى عليه بالقوة أحد عناصر ميليشيا الدفاع الوطني الموالية. يقول أبو علي، محذراً، إن العنصر لديه دراجة نارية، وهو دائم الصراخ، ويخيف من حوله. المنزل المستولى عليه بالغصب كبير جداً، ومساحته تزيد عن 200 متر مربع وله حديقة خاصة، وسعره الطبيعي لا يقل في السوق عن 400 مليون ليرة، بحسب أبو علي. وصاحب العقار الأصلي، من إدلب، وقد هرب من المنطقة برمتها بعدما اتهمه عنصر الدفاع الوطني بأنه داعشي. صاحب المكتب العقاري، وهو من الساحل، يؤكد أن صاحب المنزل ليس داعشياً بل مجرد شخص متدين، وهو الآن في الخليج.