عودة العلويين الصعبة إلى حي الوعر الحمصي
خلال الأعوام القليلة الماضية، بدأ بعض العلويين النازحين عن حي الوعر الحمصي، رحلة العودة إليه. ولكن، لا تبدو العودة للبعض أمراً سهلاً في ظل الفظاعات التي ارتكبت على أساس طائفي خلال سنوات الحرب.
يقع حي الوعر “حمص الجديدة” غربي مدينة حمص، وهي عبارة عن منطقتين؛ بلدة قديمة تسمى الوعر القديم وبعض سكانها من عشائر البدو، وتوسّعٌ حديثٌ مؤلفٌ من فيلات وأبراج وأبنية سكنية والعديد من الدوائر والمؤسسات الرسمية والحكومية. وفي العموم، فإن معظم سكان الوعر هم من الطبقة الوسطى وأصحاب المهن الحرة كالتجار والمحامين والأطباء والمهندسين، وكذلك كبار موظفي الدولة والقطاع العام، والقضاة. وغالبية سكان الوعر قبل العام 2011 هم من المسلمين السُنّة، وسط حضور جيد للعلويين والمسيحيين والاسماعيليين.
منذ بداية الأحداث في العام 2011، ظل الوعر حيادياً نسبياً وبقيت العلاقة طبيعية بين مختلف مكوناته الأهلية. ولكن، بسبب العمليات العسكرية التي شنتها قوات النظام في العام 2012 على أحياء حمص القديمة المجاورة، نزح عشرات الآلاف منهم إلى حي الوعر. في هذه الفترة نزح معظم السكان العلويين من الوعر. ومنذ العام 2013 فرضت قوات النظام على حي الوعر حصاراً خانقاً، وحاولت اقتحامه أكثر من مرة، وقصفته بالمدفعية والصواريخ.
في أيار 2014 انسحبت المعارضة المسلحة من أحياء حمص القديمة، وانتقل جزء منها إلى حي الوعر وتحصنت فيه. وتعرض الحي خلال تلك الفترة للقصف الجوي والمدفعي. وكذلك، شهد الحي في هذه الفترة عمليات تسلل واشتباكات متكررة نفذتها مليشيات موالية للنظام من قرية المزرعة الشيعية المجاورة للوعر. ونُفّذت خلال هذه العمليات انتهاكات وجرائم ذات صبغة طائفية. خلال هذه الفترة نزح جزء كبير من السكان السنة من الحي إلى بقية أحياء حمص الخاضعة لسيطرة قوات النظام. في آذار 2017 تم التوصل لاتفاق بين قوات النظام والمعارضة، يقضي بإجلاء مقاتلي المعارضة من حي الوعر إلى مناطق سيطرة المعارضة في الشمال، مقابل رفع الحصار تدريجياً عن الحي.
ومع تراجع مستويات العنف عاد النازحون السنة من مناطق سيطرة النظام إلى الحي. ومؤخراً فقط، بدأت بعض العائلات العلوية بالعودة بشكل فردي إلى الحي، ولكن بعضها لم يلقَ ترحيباً من الجيران السابقين. وبنتيجة ذلك فضّل بعض العلويين بيع أو تأجير عقاراتهم ومنازلهم في الوعر.
أبو علي، مُهندسٌ علوي متقاعد ومعارض يساري قديم للنظام، عاش معظم حياته في منزل يملكه في حي الوعر. قرر أبو علي مغادرة الوعر بعد جريمة قتل لمحام علوي شهير في الوعر، في العام 2013، والتي وصفها بأنها حدثت بدوافع طائفية. ويشير أبو علي إلى أن تلك الحادثة دفعت كثيراً من العلويين لمغادرة حي الوعر.
ومع عودة الأمور للهدوء في حمص، قرر أبو علي الرجوع للاطمئنان على منزله. ويقول لمراسل سيريا ريبورت في المنطقة، إنه لم يلحظ في المنزل أي تغيير رغم السنوات التي قضاها بعيداً عنه. ولكن، ما تبدّل هو الحارة، يضيف أبو علي، الذي بدا له مزاج الناس مختلفاً وغير مرحب به. ويضيف أنه تلقى أكثر من نصيحة من أصدقاء، بعدم العودة إلى منزله، لاحتمال وقوع أعمال انتقامية ضد العلويين. لذا، قرر أبو علي تأجير منزله. وهنا، تفاجئ مجدداً بعدم وجود مستأجرين يرغبون باستئجار منزله لما وصفه بـ”الأسباب الطائفية”. إذ أن الحي بات ذا غالبية سُنيّة واضحة بعد الحرب. أحد الأصدقاء السنّة اقترح على أبو علي، أن يوكله بموجب وكالة خاصة لتأجير منزله، وهذا ما حدث.
من جانب آخر، حيدر، شاب علوي من سكان الوعر، عاش ذات تجربة النزوح المؤقت لسنوات، قبل أن يفكر بالعودة مؤخراً. يضيف حيدر لمراسل سيريا ريبورت، إنه عاد ليجد منزله سليماً كما غادره، وأن الجيران اعتنوا به وحافظوا على مقتنياته الثمينة في بيوتهم. يقول حيدر أنه مع ذلك قرر تأجير المنزل، مفضلاً عدم العودة في المرحلة الراهنة للوعر.
في المقابل، فضّلت عائلة علوية العودة إلى منزلها في أحد أبراج الوعر الحديثة بعد غياب سنوات. العائلة تلقت بدورها تحذيرات مماثلة من أقارب وأصدقاء علويين تنصحهم بعدم العودة. ولكن، لعدم وجود أي بديل أفضل للسكن قررت العائلة المخاطرة.
نضال وزوجته رهام، علويان من الساحل، انتقلا مؤخراً إلى مدينة حمص بعد حصول نضال على وظيفة هناك في منظمة غير حكومية تعمل في ميدان الإغاثة. وقرر الزوجان شراء منزل في الوعر. ويروي الزوجان حدوث ظاهرة غريبة معهما عند زيارتهم الثانية للمنزل. إذ وجدا على سيارتهم المركونة في أسفل البناية ورقة مكتوب عليها: “إذا رغبتم بالسكن في الوعر فاسكنوا في المزرعة”. والمزرعة هي قرية ذات غالبية شيعية مجاورة لحي الوعر، وقد تشكلت فيها مليشيات مسلحة موالية للنظام وخاضت معارك عنيفة ضد المعارضة في الوعر. بعد ذلك، أسر لهم أحد الجيران قائلاً بأنه ليس من المستحب أن يسكنوا في هذه البناية.