عربين في الغوطة الشرقية: إيقاف الترميم حتى إشعار آخر!
لا يبدو أن التوقف الحالي عن استقبال طلبات ترميم الأبنية المتضررة في مدينة عربين بالغوطة الشرقية مرتبط فقط بترتيبات إدارية، بحسب التصريحات الرسمية. بل تبدو القصة أكثر تعقيداً، نظراً للعدد الكبير من السجلات العقارية الضائعة والتالفة، وعدم اعتراف الحكومة السورية بالوقوعات العقارية أثناء فترة سيطرة المعارضة على المدينة بين العامين 2012-2018.
رئيس مجلس مدينة عربين كان قد أصدر، نهاية أيلول الماضي، أمراً إدارياً بوقف عملية استقبال طلبات الترميم للأبنية المتضررة في المدينة، حتى إشعار آخر، باستثناء الأبنية المتضررة بشكل كبير والتي تحتاج دراسة هندسية عبر نقابة المهندسين. وقال رئيس المجلس إن الإيقاف مؤقتٌ، وذلك لجدولة طلبات الترميم المقدمة سابقاً والانتهاء من معالجتها.
إلا أن إيقاف طلبات الترميم قد لا يكون مؤقتاً، نظراً لأن عدد السجلات العقارية المفقودة في عربين كبير، بحسب تصريحات رسمية في العام 2019. ويُمثّلُ ذلك مشكلة كبيرة يواجهها مجلس المدينة في تحديد الملكيات، وبالتالي إعادة تكوين السجلات العقارية.
مراسل سيريا ريبورت في الغوطة الشرقية، قال إن عربين تشهد نزاعات على ملكية العقارات بين الأهالي، بسبب عقود البيع والشراء التي تمت خلال فترة سيطرة فصائل المعارضة. إذ لم تعترف الحكومة السورية، بعد استعادة سيطرتها على الغوطة الشرقية، بتلك العقود، واشترطت حضور طرفي العقد إلى الدوائر الحكومية المختصة لتثبيتها. وفعلياً، يستحيل ذلك بسبب التهجير القسري لنسبة كبيرة من أهالي الغوطة الشرقية، ومن عربين، إلى الشمال السوري عام 2018.
وتعدّ عربين من بين أكثر المدن تضرراً في الغوطة الشرقية لأنها كانت تمثل أحد خطوط الجبهة بين قوات المعارضة والنظام، ما تسبب بتدمير أحياء كاملة بالقصف الجوي.
ويبلغ عدد قاطني مدينة عربين حالياً حوالي 25 ألف نسمة، في حين كان عدد سكانها قبل عام 2011 يبلغ حوالي 50 ألفاً. وحال الدمار الكبير في المدينة من عودة كثير من السكان إليها بعد سيطرة قوات النظام عليها، بالإضافة إلى التهجير القسري الذي طال حوالي 6,000 شخص من رافضي عملية التسوية في عربين، إلى الشمال السوري، في العام 2018.
وزارة الإدارة المحلية والبيئة كانت قد أصدرت القرار رقم 5 لعام 2019، بالتوافق مع تعليمات القانون رقم 33 لعام 2017 لإعادة تكوين الوثائق العقارية. وبناء على القرار 5، تشكلت لجنة من مديرية المصالح العقارية لذلك الغرض، ويفترض بعد انتهائها من جمع الوثائق والثبوتيات، أن يصدر قرار باعتماد السجلات الجديدة. وفي حال عدم اكتمال الثبوتيات، سيُحال الموضوع إلى القضاء لإصدار القرارات اللازمة التي سيعلن عنها في الجريدة الرسمية. وبعد ذلك يمكن الاعتراض على القرارات، فيما إذا كان هناك خطأ بالملكية. وعندها يتوجب على المعترض تقديم وثائق تثبت صحة اعتراضه، قبل أن تحال الوثائق مجدداً إلى القضاء.
وتبدو هذه العملية بطيئة للغاية، في ظل التدخل الأمني المتواصل لمعرفة العقارات التي يملكها معارضون للنظام، بغرض وضع الحجز التنفيذي عليها ومصادرتها وفق القوانين الاستثنائية لمحكمة الإرهاب.
وتمثل عمليات ترميم العقارات المتضررة سوقاً مربحة في الغوطة الشرقية، وشهدت تطورات مختلفة خلال السنوات الماضية بعد سيطرة الحكومة. في البداية درج ضباط متنفذون من قوات النظام على إدخال مواد البناء وتحكموا بعمليات الترميم في ظل الحظر الرسمي على إدخال مواد البناء إلى الغوطة. كما نجح بعض المتمولين من أبناء مدينة عربين بتشييد أبنية جديدة وترميم أبنية متضررة. وشهدت حينها أسواق العقارات ارتفاعاً كبيراً في الأسعار. واستمر الوضع إلى حين انتخاب مجالس المدن والبلدات في الغوطة نهاية العام 2018، والتي بدأت بدورها تنظيم الأعمال الإدارية للترميم، ولكن بإشراف الأجهزة الأمنية وقوات النظام.
في الشهور الأخيرة، شهدت سوق العقارات ركوداً كبيراً، بسبب التشديد الأمني المتزايد على معرفة مالكي العقارات، بالإضافة إلى تدهور قيمة الليرة السورية. الأوضاع المادية السيئة أجبرت كثيراً من أصحاب العقارات على عرض ممتلكاتهم للبيع، حتى لو لم يكن بحوزتهم صكوك الملكية أو وثائق قانونية تثبت ملكيتها. ورغم كل ذلك، لا يزال بعض المتمولين والنافذين من أبناء عربين يعملون على البناء والترميم، بشكل غير قانوني، معتمدين على علاقتهم بضباط في قوات النظام والأجهزة الأمنية.
من جهة أخرى، كان رئيس مجلس المدينة، قد أصدر أمراً إدارياً آخر في منتصف أيلول، يطلب فيه من كافة الحاصلين على رخص الترميم، بكتابة تصريح خطي جديد يظهر فيه رقم وتاريخ رخصة الترميم، واسم المركز المعتمد لاستجرار مواد البناء، واسم ورشة البناء القائمة بالعمل. واشترط الأمر الإداري موافقة رئيس المجلس خطياً على التصريح المكتوب الجديد، قبل أن تسمح البلدية لصاحب الرخصة باستكمال عملية الترميم. أي أن رخصة الترميم بحد ذاتها لم تعد تكفي لاستكمال الترميم.