سين جيم: هل يمكن للمزارعين المُهجرين في شمال غرب سوريا استعادة أراضيهم؟
عاشت محافظتا شمال حماة وجنوب إدلب تحت وابل من الغارات الجوية شبه اليومية والقصف المدفعي، معظم عام 2019 وأوائل عام 2020، حيث سعت القوات الموالية للنظام إلى استعادة السيطرة على المنطقة من قبضة المعارضة.
نجحت مهمة قوات النظام، ويخضع اليوم جزء كبير من هذه المنطقة الزراعية لسيطرة الحكومة مجدداً. وعملت الحكومة، بالتنسيق مع “رابطات المزارعين” التابعة لها على مصادرة الأراضي الزراعية المتبقية في المنطقة وبيعها بالمزاد العلني بشكل منهجي،منذ استعادة السيطرة على المنطقة. وقد كانت مهمة سهلة نسبياً، حيث فرّ المالكون بحثاً عن الأمان من الضربات الجوية منذ فترة طويلة، ولا يزال معظمهم نازحين، وخائفين من العودة إلى ممتلكاتهم التي يسيطر عليها النظام الآن.
تقول سارة كيالي، باحثة سورية في هيومن رايتس ووتش، التي نشرت تقريراً في وقت سابق من هذا الشهر عن مصادرة الأراضي الزراعية: “إنهم لا يعلمون فيما إذا كانت عودتهم آمنة”.
تحدثت سيريا ريبورت مع كيالي حول النتائج التي توصلت إليها، وكيف تؤثر مصادرة الأراضي الزراعية على ملّاك الأراضي النازحين.
هل يمكنك التحدث بإيجاز عن الأوضاع الشخصية لأصحاب الأراضي المتضررين من مصادرة الممتلكات ولماذا لا يمكنهم الوصول إلى أراضيهم؟
نزح الكثير من المزارعين في أعقاب الهجوم العسكري السوري-الروسي [على شمال غرب سوريا] الذي بدأ عام 2019. ومع استيلاء الحكومة السورية تدريجياً على المزيد من هذه المناطق، باستخدام الضربات الجوية والقصف العشوائي، اضطر الكثير من السكان إلى الفرار من مزارعهم ومنازلهم إلى مناطق أكثر أماناً في إدلب.
وبعد ذلك ببضعة أشهر، بعد وقف إطلاق النار [في آذار/ مارس 2020]، بدأت جمعية الفلاحين، وهي في الأساس تحالف مزارعين تدعمه الحكومة ويعمل في جميع أنحاء سوريا الخاضعة لسيطرة الحكومة، في نشر إعلانات على صفحاتها على فيسبوك تفيد بأنها ستصادر أراضي الأفراد الذين يعيشون خارج الجمهورية العربية السورية، أو الذين يعيشون في مناطق “الإرهابيين”، ما يعني شمال غرب سوريا. وتشمل هذه القوائم أسماء العديد من المزارعين النازحين الذين لا يمكنهم العودة إلى تلك المناطق لأنهم هم أنفسهم مطلوبون للحكومة السورية. كما أنهم لم يعودوا قادرين على الوصول إلى أراضيهم لأنها صودرت وبيعت لآخرين.
هل يوجد أي خطوات يمكن للمتضررين القيام بها لزيارة ممتلكاتهم أو استعادتها؟ وهل يُعد هذا احتمالاً واقعياً؟
للأسف لا. كان كل من قابلناهم مطلوبين للحكومة السورية، إما بسبب المشاركة في الاحتجاجات أو التعبير عن المعارضة السياسية. ولدى العديد منهم أقارب سبق أن احتجزتهم الحكومة السورية أو أخفتهم قسراً.
ماذا عن ملاك المزارع غير المطلوبين للحكومة؟ ما المعوقات التي تواجههم؟
لا يعلمون فيما إذا كانت عودتهم آمنة. وأعتقد أن معظمهم لا يريدون العيش في ظل الحكومة السورية، لذلك هذا ليس خياراً قابلاً للتطبيق بالنسبة لهم. في كثير من الأحيان تستولي الميليشيات الموالية للحكومة أو الأفراد الذين أثبتوا ولاءهم السياسي والاقتصادي للحكومة السورية على هذه الأراضي. لذلك لا أعلم إذا تمكن أحدهم من العودة بنجاح، ما إذا كان سيتمكن من منع [مصادرة أرضه الزراعية] دون دفع مبلغ كبير من المال كرشاوى للسلطات المحلية.
كيف تحدد اتحادات الفلاحين أصحاب المزارع المناهضين للحكومة؟
حسب ما فهمته يتم ذلك عبر أعضاء آخرين في المجتمع، أو عبر التجار والوسطاء والميليشيات الموالية للحكومة. في إحدى المقابلات، أخبرنا مزارع سوري أن قريبه كان حاضراً حين جاء أحد تجار الفستق وبدأ بشكل عشوائي جداً في الإشارة إلى الأراضي قائلاً: “هذا الشخص ضد الحكومة السورية”، “هذا الشخص قد فر”. فجمعوا كل تلك الأراضي وصادروها.
هل يمكنك التحدث أكثر عن اتحادات الفلاحين هذه، ما هي مهمتها الظاهرية، وما أدوارها بالضبط في بيع أراضي الناس في المزاد العلني؟
لعب اتحاد الفلاحين دوراً هاماً في العملية. وكان الجهة التي صادرت الأراضي ونشرت الإعلانات لبيعها بالمزاد العلني. تاريخياً وحتى اليوم، كانت نقابات الفلاحين هذه تعتبر امتداداً للحكومة السورية. وينتمي أعضاؤها في الغالب إلى حزب البعث ويتعاونون مع الأجهزة الأمنية السورية على نطاق واسع.
هل يمكنك التحدث عن الأساس القانوني الذي تستخدمه الحكومة للاستيلاء على هذه الأراضي؟ وهل تستخدم حجة سوى الادعاء بأن الملاك مدينون لبنك التعاون الزراعي؟
لا، من بين من قابلناهم والوثائق التي استعرضناها، عادة ما تقدم بعض الأعذار القانونية للمصادرة، كان ذلك السبب الرئيسي المقدم. لا أستبعد أن يكون هناك استخدام لقانون مكافحة الإرهاب، لكنني لم أره بشكل واضح.نفى جميع الأفراد الذين قابلناهم كونهم مدينين بأموال للبنك. واحتوت قوائم الأفراد ممّن ورد أنهم مدينون على مئات الأسماء، وهو عدد كبير بشكل ملحوظ، ويدعو إلى الشك.
وقد توقفت معظم عمليات الإصلاح الزراعي ودعم اتحاد الفلاحين منذ عدة سنوات في شمال غرب سوريا. لذلك لا يوجد ما يشير إلى تقديمهم أي دعم للمزارعين. أخيراً، لنفترض أن كل ذلك صحيح وأنهم مدينون بالمال، يجب أن تكون هناك إجراءات قانونية واضحة. عليهم تقديم إشعار وفرصة للطعن في القرار. يجب استيفاء جميع هذه الخطوات، وليس هناك ما يشير إلى بدء أي من هذه العمليات.
هل تعتقدين أن أهمية زراعة القمح في هذا الجزء بالذات من شمال غرب سوريا تلعب دوراً ما؟
أعتقد أن هذا صحيح تماماً، وقد قمنا بتضمينه في التقرير. لقد أعددنا تقريراً سابقاً عن أزمة الخبز ونقص القمح. بدأت هذه الأنواع من المزادات والاستيلاء على الأراضي بشكل جدي حين كانت الحكومة السورية تواجه نقصاً حاداً في القمح، وترافق ذلك مع إعلان وزارة الزراعة “عام القمح” عام 2020. إنها لمصادفة غريبة أن مصادرة هذه الأراضي، ومعظمها يستخدم للقمح والفستق الحلبي والزيتون، حدثت في نفس الوقت الذي واجهت فيه الحكومة السورية نقصاً في القمح. لقد كان حلاً عملياً، وإن لم يكن قانونياً، لمشكلة نقص القمح، ويعكس يأس الحكومة السورية.
بالنظر إلى نطاق أوسع، ما الذي تعنيه مصادرة الممتلكات في جميع أنحاء سوريا بالنسبة لإمكانية عودة اللاجئين أو النازحين؟ في النهاية يبدو أن هذه المزارع كانت جزءاً كبيراً من سبل عيش الناس.
إذا وضعنا المعارضة السياسية جانباً، يجعل ذلك العودة بالغة الصعوبة. يعود معظم الناس حين يكون لديهم منزل يعودون إليه، أو مصدر رزق مضمون، أي حين يعلمون أن وضعهم في المنطقة التي يعودون إليها أفضل من الوضع الذي يعيشون فيه حالياً.
حين تقع مصادرة واسعة النطاق للأراضي، وتدمير للممتلكات، وهدم، وقيود على الوصول، يشير كل ذلك إلى ضآلة احتمال عودة اللاجئين والنازحين السوريين، حيث لا يوجد شيء يمكن العودة إليه، حتى لو انحسر العنف وتوقفت الغارات الجوية. لا توجد ضمانات بقدرتهم على استعادة أراضيهم، أو على العودة بأمان. لا يمكن الوثوق بهذه العمليات.