سين جيم: هل يمكن إعادة إعمار حلب بشكل عادل؟
قبل أربع سنوات، كانت حلب موقعاً لواحدة من أكثر الهجمات وحشية في الحرب السورية، حين كانت قوات النظام وحلفاؤها في المراحل النهائية لاستعادة الأحياء الشرقية المحاصرة. والنتيجة، هي ما يطلق عليه الحكم شعار، الباحث الحلبي، وصف “المدينة شبه الشبحية”، فالأحياء خالية إلى حد كبير من السكان، وكتلها السكنية مدمرة، والأنقاض لا يزال في الشوارع، بعد سنوات من انتهاء المعركة.
عملية إعادة الإعمار بطيئة، وغيرعادلة إلى حد كبير، ولايزال السكان مُبعدين عن منازلهم، غيرقادرين على إجراء إصلاحات من دون أكوام من الوثائق التي يصعب الحصول عليها.
كيف يمكن أن تبدو إعادة إعمار عادلة لحلب، وما هي أجزاء النسيج الحضري للمدينة التي يجب الحفاظ عليها خلال تلك العملية؟ شعار، حاول البدء في معالجة هذه الأسئلة كجزء من مشروع حلب، وهو مجموعة من الباحثين كانوا حتى فترة قريبة مقيمين في جامعة أوروبا الوسطى في بودابست. وتهدف المبادرة إلى توثيق دمار حلب، فضلاً عن الجزء غير الملموس من نسيج المدينة الذي يجب الحفاظ عليه خلال إعادة الإعمار.
“الأمر يتعلق أكثر بالبنية الاجتماعية”، يقول شعار. “ليس فقط بالبيئة المادية، ولكن تجارب الناس في منازلهم، وكيف تمزقت هذه المجتمعات”.
هل يمكنك أن تخبرني عما يفعله مشروع حلب؟ ما هي قضايا العدالة في إعادة الإعمار التي تركزون عليها؟
بدأ مشروع حلب في عام 2015، واستضافته جامعة أوروبا الوسطى حتى أكتوبر 2020، والآن أصبح مستقلاً. كانت الفكرة هي محاولة فهم ما يحدث للمدينة مع نظرة إلى المستقبل. كيف يمكننا إعادة البناء، وليس فقط مادياً؟ لم نقترح أبداً التخطيط للمدينة، بل تعلق الأمر أكثر بالبنية الاجتماعية لحلب، في محاولة لتوثيق الدمار، لا المادي فقط، بل أيضاً لتجارب الناس في منازلهم، وكيف تمزقت مجتمعاتهم. ما هو المهم لإعادته؟ ما هي بعض العوامل التي يعتقد الجميع أنها مهمة بالنسبة للناس للعودة؟
المشكلة عندما نتحدث عن إعادة الإعمار، بما في ذلك في أماكن مثل بيروت أو كابول، نرى أن لا أحداً يشاور أولئك الأكثر تأثراً. لماذا؟ لأنهم على الأغلب لم يعودوا موجودين. والآن، هناك مشاركة من وكالات متعددة تابعة للأمم المتحدة ومنظمات دولية متعددة مثل صندوق الآغا خان. وهم يعيدون البناء، رغم كل النزوح الحاصل، وكأنهم لا يبنون للنازحين.
هناك طرق حيث تكون إعادة الإعمار مهمة، مثل إعادة بناء الآثار، لأنها تعطي الناس شعوراً بأنهم سيعودون إلى مدينة لها وجه، وبنية تحتية.لكنه ليس فقط وجه المدينة الذي تعرض للدمار، بل بيوت الناس، وأرزاقهم.
يحاول مشروع حلب تسليط الضوء على هذه القضايا، وكذلك كتابة سردية لما كانت عليه الحياة في المدينة قبل الحرب، وكيفتغيرت الحياة خلالها، وما الذي يمنع الناس من العودة، وما هي وجهات نظرهم حول مستقبل مدينتهم؟ لقد قمنا باستضافة مدونات من قبل أشخاص من حلب، ومن متخصصين سوريين وغير سوريين على حد سواء. لقد سلطنا الضوء على بعض التغييرات الرئيسية كما حدثت. لقد قمنا باستضافة مؤتمرات حول هذه القضايا، كما قمنا بإجراء استطلاعات الرأي.
اليوم، كيف تصف ما تبدو عليه عملية إعادة الإعمار في الأحياء العشوائية في حلب الشرقية؟ هل هو تقييم عادل القول بإن معظم عمليات إعادة الإعمار تتم من قبل السكان أنفسهم، على نفقتهم الخاصة، على العكس من حلب القديمة التي ربما تشهد مساعدات أكثر تنظيماً؟
هناكالقليلمن الدعم في حلب الشرقية،القليلجدا. وذلك،على عكس ما يحدث في سوق مدينةحلبالقديمة حيث العديدمن المحالالتجارية ذاتالقيمةالعقاريةالمرتفعة،والتي يملكها أثرياء يعيشون غربي حلب.ثم يتمتعون بهذا الدعم المؤسسي من مجلس المدينة، بينما في شرق حلب ليس لديك ذلك.
فالأحياء الشرقية قليلة السكان حالياً، على عكس ما كان عليه الوضع من قبل، عندما كانت الجزء الأكثر كثافة من المدينة. إنها نصف المدينة. والآن هي مدينة شبه شبحية. حتى الآن، هناك العديد من الشوارع التي تتكوم فيها الأنقاض.
ليس لدينا مشروع مدينة ماروتا، والأمر يتعلق في جزء كبير منه بأن حلب ليست العاصمة. إنها مدينة متماثلة في الحجم والأهمية بدمشق، لكنها بعيدة عن عيون الناس في السلطة.
إلى أي درجة تعتقد أن هناك رغبة أو حتى قدرة لسكان شرق حلب وأصحاب العقارات على إصلاح ممتلكاتهم؟ كم عدد الأشخاص الذين يرغبون في الحصول على ما يسمى “رخصة أضرار” أو القادرين على إجراء تلك الإصلاحات؟ هل يمكن اعتبار هذه العملية، التي تتطلب وثائقاً يصعب الحصول عليها، جزءاً من إعادة الإعمار “العادلة”؟
البلدية سمحت للناس بإعادة الإعمار، ومنحهم تصاريح لإصلاح الأضرار إذا كان الناس في الطوابق العليا قادرين على اثبات حدوث الضرر. والمسألة بالنسبة لهذه التفاصيل المحددة، أنها تتطلب الحد الأدنى من الناس الموجودين، والراغبين في تحمل هذا العبء.
أن يكون لديك شقة سكنية متضررة في حي مهجور، وسعرها منخفض للغاية، ولكن عليك أيضًا الذهاب، وعلى نفقتك الخاصة، لدعم الهيكل الذي ستتم إعادة بنائه. هذه مهمة كبيرة. البعض سيجد ذلك مناسباً. لكن كثيرون، سيجدون أنه من الأفضل انتظار البلدية لسحب الأنقاض، وفي هذه الحالة سيفقدون ممتلكاتهم الخاصة إلى الأبد، وكذلك سيحدث مع جيرانك.
ويرتبط ذلك مع مشكلة أولئك الذين هم خارج البلاد، وكيف يمكنهم الحصول على مثل تلك الأوراق. من الناحية الفنية، يمكنهم ذلك، من خلال السفارات والقنصليات السورية. في تركيا، حيث القنصلية السورية في اسطنبول، سيتكلف السوريون كثيراً للذهاب إليها، وانجاز الأعمال الورقية المطلوبة ودفع الرسوم.لذا، فهي مهمة مكلفة، وهذا شيء لا نعيره اهتماماً في أغلب الأحيان.
الإعمار الذي يقوده أصحاب الأملاك، مباشرة أو من خلال الأقارب، مع إشراف من البلدية، هو أفضل فكرة. وهذا هو نوع إعادة الإعمار الذي لا يوجد إلى حد كبير في معظم شرق حلب.
كيف ستبدو إعادة إعمار “عادلة” لشرق حلب، بمزيد من التفصيل؟
أولاً، يجب إزالة العوائق، كرفع الحواجز أمام الناس للعودة. هناك قوة فعلية لمنع الناس من العودة. كما أنه يتوجب تعاون دول أخرى لإعطاء السوريين بعض حرية الحركة.
ثانياً: التعويض. للناس الحق في الحصول على تعويض عما تم تدميره. يمكن أن يأخذ هذا شكلاً تعاونياً حيث يحدد السكان احتياجاتهم، ويزورهم مستشارون من الحكومة، ويمكن أن يكون هناك أمور كالتمويل متناهي الصغر. على الحكومة السورية إعادة بناء البنية التحتية، وهو ما يحدث حالياً بوتيرة خجولة جداً.
ثالثاً، من المثير للاهتمام في موضوع البنية التحتية، أن النظام السوري دمر الكثير من المرافق كالمدارس والمستشفيات، بما في ذلك مستشفى القدس شرقي حلب. وقد سارع النظام إلى إعادة بناء هذا المستشفى، لمحو الأدلة.
النظام يحاول بفاعلية محو الأدلة، وهذا يرتبط أيضاً بقضية إزالة المباني المدمرة. فإذا ما أزيلت من مجال نظر الناس، غابت عن أذهانهم. هذه المسائل تتعلق بالذاكرة، والعدالة الأخلاقية، والعدالة في التعويض.