سين جيم: مقارنة بين سوليدير بيروت وماروتا سيتي في دمشق
أطلق اسم “سوليدير سوريا” على ما كان ذات يوم عشوائية حي بساتين الرازي بدمشق، الذي تتم إعادة إعماره اليوم باسم ماروتا سيتي، وهو مشروع عقاري فاخر ممول من شخصيات مقربة من الحكومة السورية. الشركة الرئيسية وراء المشروع هي دمشق الشام القابضة، التي تأسست في العام 2016 لتمويل ماروتا سيتي، وبعد ذلك تم إدراجها في قائمة العقوبات الأميركية.
يحمل مشروع ماروتا سيتي بعض وجوه التشابه مع وسط بيروت الذي أعيد إعماره من الألف إلى الياء من قبل شركة سوليدير. وسوليدير شركة مساهمة أسسها رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري في التسعينيات، وأصبح لاحقاً أكبر مساهم فيها. وما كانت نتيجة سوليدير: إعادة تصميم متطورة لما كان ذات يوم منطقة وسط بيروت التي دمرتها حرب أهلية استمرت لـ15 عاماً.
يمكن استخلاص بعض الدروس من المقارنة بين المشروعين، كما كتبت نور حمادة، المحامية والزميلة غير المقيمة في معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط (TIMEP) في مقال جديد. تقول نور، إن “من ربح” من المشروعين، هو من كان جاهزاً للاستفادة.
سيريا ريبورتتحدثت مع السيدة حمادة، حول إعادة الإعمار غير المتكافئة في المناطق الحضرية في سوريا، والدروس التي يمكن استخلاصها من سوليدير.
لماذا لجأتِ في البداية إلى قضية سوليدير عندما حاولتِ فهم عدم التكافؤ في إعادة الإعمار في سوريا؟ ما الحكمة التي كنتِ تأملين في الحصول عليها من هذه المقارنة؟
لقد قرأت كثيراً عن المقارنة بين المشروعين، وتحديد أوجه التشابه بينهما، وقد رأيت عدداً من التقارير التي تصف ماروتا سيتي بـ”سوليدير سوريا”.
هكذا قررت البحث في سوليدير لفهم إعادة الإعمار في سوريا. وأعتقد أن ما يمكننا فهمه من التمعّن بمشروع مثل سوليدير، هو من الذي ربح من هذا المشروع. أي من استفاد في النهاية؟
في كلتا الحالتين، هي مشاريع يتم طرحها كوسيلة لإعادة الإعمار للنفع العام. ولكن عندما ندقق بمن استفاد حقاً، على المستوى المادي، أو مستوى البنى التحتية، نجد أن ما حدث كان شكلاً من أشكال التحسين. ولكن، قد تم تغيير طبيعة السكان، لأن التطورات التي نتجت عن مشروع سوليدير كانت كبيرة في النهاية، بحيث لم يستفد منها سوى بعض الأثرياء. نظام الأسهم الذي تم استخدامه لتعويض الناس عن ممتلكاتهم لم يكن كافياً.
وما بدأ كمشروع لإعادة إعمار وسط بيروت للسكان الذين كانوا يقطنون تلك المناطق المدمرة، انتهى كوسيلة للنخب الثرية للاستفادة من هذا الوضع.
عندما ننظر إلى ماروتا سيتي في سوريا، نجد أن ما يحدث هو أمر مشابه. يتم تغيير السكان لإفساح المجال للنخب الأكثر ثراءً للاستفادة من العقارات التي يمكن توظيفها بشكل استراتيجي. إذ تقع ماروتا سيتي بالقرب من وسط دمشق.
بالنسبة لي، هذه هي النتيجة الرئيسية من التمعن في سوليدير، ومقارنتها مع ماروتا سيتي.
هل يمكنك التحدث أكثر عن نظام “الأسهم” هذا مع سوليدير؟ كيف نرى أصداء ذلك في ماروتا سيتي؟
عندما يتعلق الأمر بسوليدير، كانت الفكرةمنهاهي تبسيط عملية إعادة الإعمار للتخفف من أي نزاعات لاحقة على السكن والأرض والملكية. بسبب الصراع، وعدد الممتلكات العشوائية التي كانت موجودة، كان ممكناً نشوء الكثير من النزاعات حول السكن والأرض والملكية. ولتجنّب ذلك، أعطى [المخططون] لأصحاب العقارات خيارين؛ الأول، بيع ممتلكاتهم إلى سوليدير بسعر أقل بكثير من القيمة السوقية. بينما الخيار الثاني كان مصادرة ممتلكاتهم مقابل تعويضهم بأسهم في عملية تطوير سوليدير المستقبلية.
ومع ذلك، فإن المشكلة في أن الأسهم منخفضة القيمة، وليست كافية لتعويض الناس عن ممتلكاتهم. هذا ما يجعل من الصعب عليهم الحصول على عقار جديد، سواء في ماروتا سيتي في المستقبل، أو في أي مكان آخر.
لذا، هل يمكن القول إن نظام “الأسهم” هذا هو وسيلة تستخدمها الحكومة السورية لتقول إنها توفر بديلاً للأشخاص الذين تأثرت ممتلكاتهم بمشروع التطوير، من أجل إضفاء الشرعية على حرمانهم من حقوقهم؟
نعم ، هذا صحيح تماماً. إنها طريقة الحكومة للقول بإنها تعوّض الناس، من دون تعويضهم فعلياً.
هناك طرق أخرى يفعلون بها ذلك -ولكن كما قلت، يعتمد الأمر حقاً على نوع الملكية وبالتالي هناك أنواع مختلفة من التعويضات. لذلك، يحصل بعض الناس على حصص، وآخرون على سكن بديل، والبعض على تعويض نقدي.
ولكن من الصعب للغاية الحصول على [أشكال التعويض] هذه، سواء أكان ذلك سكناً بديلاً أو تعويضاً عن الممتلكات. معظم الناس لم يحصلوا على أي منهما. أعتقد أن عدداً قليلاً جداً من سكان بساتين الرازي يمكنهم الحصول على تعويض. والسبب الرئيسي لذلك هو أن لا تمويل كافياً لدى الحكومة السورية.
كانت أماكن مثل بساتين الرازي في سوريا عبارة عن أحياء حضرية منخفضة الدخل ومبنية بشكل عشوائيات، في حين تم تشييد سوليدير فوق ما كان يُعرف سابقاً بوسط بيروت. كيف يمكن لطبيعة بساتين الرازي العشوائية أن تسهل على الحكومة السورية طرد الناس هناك مقارنة بوسط بيروت؟ كيف تلعب هذه الديناميكية؟
مواقع مثل ماروتا سيتي مخططة بشكل متعمّد لتقام على مناطق عشوائية وأحياء يُنظر إليها على أنها [مؤيدة] للمعارضة. أعتقد أن هذا ما يميز سوليدير عن ماروتا سيتي. هناك نوع من الانتقام أو العقاب لمشاريع مثل ماروتا سيتي، على عكس سوليدير.
في ماروتا سيتي ، هناك شيئان يحدثان. أولاً: إنها طريقة لمعاقبة مجتمعات المعارضة تلك. وقد شاركت هذه المجتمعات في الاحتجاجات [ويُنظر إليها] على أنها معارضة للحكومة السورية، لذا فهي مستهدفة بأساليب إعادة الإعمار هذه.
ولكن هناك أيضاً الطبيعة العشوائية لكثير من العقارات أو الإيجارات في بساتين الرازي. وهذه المستوطنات العشوائية غير الرسمية، تعني أن للناس هناك حقوق أقل بشكل عام.
لمن لديه (وثيقة تثبت) ملكيته الكاملة على عقاره هو [الأكثر حظاً] في هذه الحالة. بالنسبة للآخرين، لديهم مستويات أقل من حقوق الملكية، وهم أقل قدرة على منع الحكومة من الاستيلاء على ممتلكاتهم. ومن ثم فإن لدى الحكومة نوعاً من التبرير ضمن القانون، وهو أن “هذه الملكية غير رسمية، لكننا ما زلنا نفعل شيئاً جيداً، وهو تعويضهم على الرغم من أنهم لا يتمتعون بالضرورة بهذه الحقوق بموجب القانون”.
من السهل على الحكومة أن تنتهك حقوق أولئك الناس، لأنهم يفتقدون الحقوق التي يتمتع بها أي شخص لديه وثيقة ملكية رسمية.
أحد الاختلافات الواضحة بين سوليدير وماروتا سيتي، هو أنه في الأخيرة، تبدو الحكومة أكثر وضوحاً في هدفها المتمثل بتهجير قطاع محدد من السكان. هل هذا تقييم عادل؟
في سوريا، تأمل الحكومة عن قصد، في تهجير سكان محددين من الفقراء الذين يبدو أنهم مؤيدون للمعارضة، أو على الأقل معارضون للنظام.
هناك أيضاً فكرة “التدمير بغرض إعادة الإعمار”. إذ، تدعي الحكومة السورية أنها تعيد إعمار هذه المناطق، أولاً بسبب طبيعة المناطق العشوائية، وثانياً بسبب الدمار الذي سببه الصراع منذ عام 2011. وقد وردت تقارير عديدة عن استهداف بعض المواقع بالقصف الجوي بقصد التدمير، حتى تتمكن الحكومة من استخدام التدمير كمبرر لإعادة الاعمار، في مشاريع مثل ماروتا سيتي.
ماذا عن هيكلية شركات سوليدير وشام القابضة التي ثبت أنها خطيرة أيضاً؟ هل يمكن المقارنة بين الاثنين؟
في حالة لبنان، كانت الهيئة الحكومية المكلفة بتنسيق إعادة الإعمار هي مجلس الإنماء والإعمار. المجلس تعاقد مع الشركات الرئيسية، وكان يدار بشكل أساسي من قبل أشخاص مقربين من رئيس الوزراء آنذاك رفيق الحريري. لقد اشترى الحريري، على ما أعتقد، 125 مليون دولار من الأسهم في سوليدير. كان المساهم الأكبر في سوليدير. وسرعان ما اتضح أنه المستفيد الرئيسي من المشروع.
في الحالة السورية، عندما يتعلق الأمر بشركة دمشق الشام القابضة ، سمحت الحكومة السورية للمحافظات في جميع أنحاء سوريا بإنشاء شركات قابضة. في دمشق، كانت الشركة القابضة التي أنشأها المحافظ هي شركة دمشق الشام القابضة. وتسمح الشركة بإعادة الإعمار على أن تكون تشاركية بين القطاعين العام والخاص.
تتعاقد دمشق الشام القابضة مع عدد من الكيانات الخاصة للمشاركة في إعادة إعمار سوريا. الكثير من الشركات التي يتم التعاقد عليها مملوكة لأشخاص مقربين جداً من الحكومة السورية، على سبيل المثال أمثال رامي مخلوف.
الأشخاص الذين يقفون خلق ما ستبدو عليه إعادة الإعمار، هم أولئك الذين شاركوا في الصراع ومرتكبو انتهاكات لحقوق الإنسان. تمت معاقبة العديد من الأشخاص المتورطين في ماروتا سيتي، لمشاركتهم في المشروع، وكذلك لعلاقاتهم الوثيقة مع الحكومة السورية؛ لتمويلهم انتهاكات الحكومة لحقوق الإنسان والجرائم الدولية.
أخيراً، هل هناك من إيجابيات؟ ما هي المنظمات أو المبادرات التي تعمل على تحسين حالة حقوق الملكية لأولئك المتأثرين بمشاريع مثل ماروتا سيتي؟
هناك مبادرتان قيّمتان حقاً، هما مشروع حلب وسيربانزم. يعمل مشروع حلب مع مختلف أصحاب المصلحة من لاجئين سوريين وأكاديميين وخبراء سياسة، لتحديد طرق مختلفة لإعادة بناء سوريا بعد انتهاء الصراع. يتضمن ذلك تحديد المشاكل المتعلقة بطريقة الحكومة السورية في إعادة الإعمار، وما ينبغي أن تبدو عليه بدلاً من ذلك، وكيف يمكن أن تتم إعادة الإعمار بطريقة تعزز عودة اللاجئين وحياة ما بعد الصراع للسوريين عموماً.
تعتبر سيربانزم أيضاً مبادرة جيدة تهدف إلى تحديد، والعمل على إعادة إعمار عادلة اجتماعياً في سوريا. في سيربانزم يسلطون الضوء على مشاريع مثل ماروتا سيتي، ويرفعون مستوى الوعي بها ويوضحون لماذا تمثل مشكلة. تعتبر سيربانزم، مهمة بشكل خاص، لأنها تتوجه للسوريين العاديين بمقاطع الفيديو المصورة.