سين جيم: ما دور النسوية في قضايا حقوق المساكن والأراضي والممتلكات؟
مقابلة مع سوسن أبو زين الدين، مهندسة معمارية سورية مختصة بتخطيط التنمية العمرانية.تعمل سوسن كباحثة في معالجة تحديات إعادة الإعمار في سوريا، مع عدد من المؤسسات بما في ذلك المركز السوري لبحوث السياسات، والحركة السياسية النسوية السورية.
ما هي التحديات التي تواجهها النساء بخصوص حقوق الملكية، الأرض والسكن؟
أعتقد أن الالتفات لحقوق “ماس” وإشكالياتها أمر جديد نسبياً على القضية السورية، وكذلك تضمينه حقوق النساء التي يسهل تغييبها. قضايا “ماس” تتضمن أبعاداً عمرانية وقانونية واجتماعية واقتصادية وإعلامية، وبدت واضحة للعيان منذ بدأ النظام تطويع المنظومة العمرانية كاستراتيجية ضمن الحرب منتصف العام 2012. من جانب آخر، وعلى ما علمتنا النقاشات السابقة، فإن النسوية فكر تتم شيطنته، أو بأحسن الأحوال اعتباره نتاج نسوة ذوات امتيازات خاصة يمتلكن رفاهية النقاش بعدسات جندرية.
الحرب السورية أضاءت على الكثير من التحديات المرتبطة بحقوق ماس وخصوصاً الواقع الإشكالي للمرأة فيها. الحرب كشفت بهذا المعنى عن دور للنساء، بعد تغييب الرجال. هنا، حدث تغيير في الأدوار الجندية النمطية ضمن العائلة. فباتت المرأة السورية مسؤولة عن العائلة بعدما تركزت الاعتقالات والتغييب القسري ضد الذكور. هذا، أعطى مسؤوليات إضافية للمرأة، لكنه جعلها في مواجهة مباشرة مع القضايا الحقوقية: أملاك العائلة في معظم الأحوال مسجلة باسم الذكور المغيبين أو الملاحقين أمنياً، ولا حيلة للنساء للتصرف بهذه الأملاك. هذا، إذا لم تُصادر أملاك العائلة بموجب أحكام محكمة الإرهاب الاستثنائية.
الأمر لا يتعلق فقط بقوانين تخص قضايا “ماس” مباشرة، بل أيضاً بمجمل النظم والأعراف المؤثرة بشكل جذري على حقوق النساء منذ ما قبل العام 2011. فلا يحق للمرأة السورية، على سبيل المثال، إعطاء جنسيتها أو لقبها لأولادها. الأمر بدا معضلة شديدة التعقيد خلال الحرب بعد شيوع ظاهرة الزواج من المقاتلين الأجانب أومجهولي النسب، غصباً أو طوعاً. فبات الأولاد محرومين حتى من كنية لهم. هل يمكن نسب الولد لأب لا يُعرف عنه إلا اسم أبو القعقاع؟ هذا الأمر انعكس تلقائياً على قضايا الإرث والملكية.
إذا، يبدو أننا أمام تراكب لموضوعين حقوقيين؛ حقوق الملكية الأرض والسكن، مع حقوق النساء، ضمن ظرف تغييري جذري لطبيعة الأدوار الجندرية ضمن الأسرة السورية؟
في الحقيقة، حقوق “ماس” هي بعد مباشر، تنعكس أو تتمظهر فيه الإقصاءات التي تتعرض لها المرأة في السياقالسوري تحت قوى سيطرة الأمر الواقع المتعددة. وأهم ما في الموضوع هو تراكب البنى التمييزية ضد المرأة السابقة على الثورة السورية، مع تغير الأدوار الجندرية النمطية بسبب الحرب. تقدم النساء إلى الواجهة في الحياة اليومية بمعنى المسؤولية والإعالة للعائلة، رافقه صدام حقيقي مع البنى القانونية والمجتمعية التمييزية.
والمطلوب فعلياً، هو توسيع الشرخ القائم بين هذين القطبين، بمعنى عدم السماح عبر المسالك القانونية والجهود المجتمعية، بالعودة إلى البنى التمييزية قبل العام 2011. أي رفض إعادة إنتاج المنظومة ذاتها التي أنتجت الخراب الراهن. ويتم هذا، عبر إلزام أي جهود قانونية مختصة بالعدالة الاجتماعية، بألا تضع حقوق النساء في المرتبة الثانية، بل اعتبارها جزءاً أساسياً من حل القضايا المرتبطة بحقوق الملكية بشكلها الأوسع. يرافق ذلك، العمل على تغيير الممارسات المجتمعية الإقصائية بحق النساء والاستناد إلى تزايد الوعي المجتمعي الحاصل على الأرض بعدما تصدرت المرأة السورية موقع الإنتاج والمسؤولية ضمن المؤسسة العائلية.
ما هي الاستراتيجية التي يمكن فيها إضافة بعد نسوي على قضايا “ماس”؟
وجود نساء بالمعنى الجندري ضمن أي مجموعة قد يساهم بالإضاءة على قضايا نسوية كون تجربة النساء في مختلف القضايا -بتنوع انتماءاتهن وامتيازاتهن- تختلف عن تجربة الرجال، مما يجعل من النساء أكثر قدرة على فهم البنى التمييزية التي تحكم تجاربهن والإضاءة عليها.
إذ ينعكس الحضور النسوي ضمن أي منصة على دينامياتها بشكل أو بأخر، بحيث يصبح النقاش فيها أكثر تركيزاً على مواضيع الحقوق، دون الوقوع في فخ التراتبية الذي غالباً ما تسقط حقوق النساء ضمنه من بين الأولويات. ومع الوقت سيتراجع حضور بعض الكليشيات من قبيل “هناك آلاف المُهجّرين قسراً ممن يجب أن ننتبه لحقوقهم المهدورة، قبل أن نهتم لقضايا النساء”. كما يرتبط ذلك بالانتقال من التركيز على من له حقوق “ماس” مشروعة وموثقة ضمن البنى القانونية الموجودة أصلاً في سوريا، ووسائل الدفاع القانونية عنها، إلى إدراج مفاهيم الحق في السكن والأرض للمجموعات المهمشة والأكثر عرضة للإقصاء. أي إدخال مفهوم العدالة الاجتماعية وعدم الاقتصار فقط على الحقوق القانونية العامة.