دور الرشوة في مخالفات البناء في المناطق المنظمة
غالباً ما تحدث مخالفات البناء داخل المناطق المنظمة في المدن والبلدات الواقعة تحت سيطرة حكومة دمشق، عبر رشوة موظفي وأعضاء المجالس البلدية للتغاضي عنها. في بعض الأحيان، تحدث المخالفة من دون رشوة، خاصة عندما يقوم بها مسؤولون في الحكومة، أو ضباط الأجهزة الأمنية أو العسكرية. وغالباً، ما لا تكون إزالة تلك المخالفات أمراً سهلاً نتيجة حصانة القائمين عليها، أو قدرة الموظفين على التلاعب بالوثائق الرسمية. في حالات خاصة، تجري عملية هدم المخالفات لأسباب غير متوقعة.
والمخالفة تعني كل بناء مشاد على أملاك عامة، أو أرض مستملكة للدولة، أو أي مخالفة للمخطط التنظيمي، أو مخالفة للسلامة الإنشائية .ومنذ العام 1960 صدرت أربعة قوانين لإزالة مخالفات البناء، كان آخرها المرسوم التشريعي رقم 40 لعام 2012، والذي قضى بهدم مخالفات البناء التي جرت بعد صدوره، في حين أجاز الإبقاء على المخالفات السابقة وتسوية وضعها قانونياً. وتجري حملات منظمة، بين الحين والآخر، لهدم وإزالة المخالفات، غالباً التي تمت إشادتها من دون رشوة المجالس البلدية.
وتتنوع طرق التعدي على الأملاك العامة، أو إشادة المخالفات بأنواعها المختلفة، لكن في معظم الأحوال لا يمكن القيام بمخالفة في المناطق المنظمة، من دون دفع الرشاوى لموظفي المجالس البلدية لغض النظر عنها.
سناء، وبعدما قُتِلَ زوجها الضابط في شعبة المخابرات العسكرية خلال مجريات الحرب، انتقلت مع أولادها إلى شقة سكنية في إحدى ضواحي ريف دمشق السكنية التابعة لأحد برامج السكن الاجتماعي. وقررت سناء توسيع تلك الشقة الصغيرة، بمساحة 70 متراً إضافية عبر التعدي على طريق عام.
وتمكنت سناء عبر معارف مشتركين من التواصل مع موظف في بلدية الضاحية السكنية، يوصف بـ”مفتاح” في البلدية، أي الذي تتم رشوة كبار موظفي البلدية عبره. وطلب الموظف بعد معاينة الشقة، وموقع المخالفة المزمع اشادتها، 8 ملايين ليرة للتغاضي عنها.
الموظف شرح لسناء، أن للمخالفات درجات، وبحسب درجتها يتم وضع سعر الرشوة، ومن المسؤول الذي سيقبضها. وعلى سبيل المثال، لو كانت المخالفة عبارة عن أعمدة حديدية وسقف مستعار، وواجهات زجاجية، بما يصلح لإقامة محل تجاري، ستكون “كلفة” الرشوة أقل بكثير. سناء، وافقت على دفع الرشوة، ووسعت شقتها متعدية على الطريق العام، وتقوم حالياً بتأجير القسم الجديد كشقة مستقلة.
محمد، موظف يعمل في ديوان بلدية مدينة رئيسية بريف دمشق، يقول لمراسل سيريا ريبورت، إن البلدة شهدت فورة في مخالفات البناء في عهد رئيس البلدية السابق الذي أعفي من منصبه قبل فترة قريبة بسبب الفساد. محمد، كان يقوم بالوساطة بين رئيس لجنة الهدم التابعة للبلدية، وبين أصحاب المخالفات، ويقبض لقاء ذلك عمولة. ولتجنب مخاطر الشكاوى المحتملة ضد مخالفات البناء تلك، يلجأ الموظفون إلى أساليب ملتوية، تتضمن اخفاء وثائق رسمية، أو تقديم إفادات مزورة بهدم المخالفات، وفي بعض الأحيان ينكر الموظفون مشاهدة المخالفة أصلاً، بحسب ما قاله محمد.
من جانب آخر، لا يلجأ كبار المسؤولين للرشوة لحماية مخالفاتهم وتعدياتهم على الأملاك العامة، بل يتحصنون بقوة مناصبهم. على سبيل المثال، أشاد ضابط في الأمن الجنائي في ضاحية سكنية بريف دمشق، بناءً مخالفاً عبر التعدي على مساحة 100 متر مربع من الأملاك العامة، مستغلاً حصانة منصبه. رئيس بلدية تلك الضاحية السكنية، تجاهل أمر المخالفة، وقال لحاشيته إنه لا يمكنه منع مسؤول كهذا من المخالفة حتى لو قدّم أحدهم شكوى رسمية إلى المحافظة، وذلك بحسب شاهد عيان تحدث إلى مراسل سيريا ريبورت في المنطقة.
لكن للمفاجئة، قام مسؤول حكومي رفيع، من سكان الضاحية، بتقدّيم شكوى مباشرة للقصر الجمهوري. الملفت أن هذا المسؤول غير متضرر من المخالفة، بحسب ما قاله موظف في البلدية لمراسل سيريا ريبورت. وليس واضحاً سبب تقديم ذلك المسؤول للشكوى، وربما يكون السبب مجرد مناكفات شخصية.
وعلى الفور، حضرت لجنة الهدم التابعة للبلدية، برفقة دورية من الشرطة، وأزالت البناء المخالف. وتابع محافظ ريف دمشق عملية هدم وإزالة المخالفة شخصياً، ورافق بعدها رئيس البلدية، إلى مبنى البلدية، للاتصال مع مسؤولي القصر الجمهوري، وتأكيد إزالة المخالفة.