درعا والسويداء: مداهمات لإعادة ترحيل البدو المُهجّرين
يتعرض البدو المهجرون إلى المخيمات بين محافظتي السويداء ودرعا، لحملات دهم ومضايقات، بغرض ترحيلهم من المنطقة. وتقود تلك المداهمات قوات النظام وميليشيات محلية موالية من ريف درعا الشرقي. وتسببت المداهمات، بحركة نزوح جديدة لبعض أولئك المُهجّرين، باتجاه بادية السويداء الشرقية.
وتنتشر بين محافظتي درعا والسويداء تجمعات من المهجّرين غالبيتهم من عشائر بدو السويداء. وقد تعرض أولئك للتهجير في فترات وظروف مختلفة، بين العامين 2014-2020. موجة النزوح الأكبر جرت في العام 2015 من منطقة الأصفر، أكبر تجمع للبدو في ريف السويداء الشمالي الشرقي، بعدما سيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية ثم فصائل المعارضة، قبل أن تستعيدها في العام 2018 قوات النظام. وتسببت المواجهات بتدمير البنى التحتية، وتضرر غالبية منازل المنطقة التي كانت تضم 10 قرى. كما أن بعض قرى البدو في اللجاة تعرضت لتجريف كامل من قبل قوات النظام، في العام 2018، مثل قرية حوش حماد. ورغم وساطة روسية في 2019، فقد سمحت قوات النظام فقط بعودة جزئية ومشروطة لبدو ريف السويداء الشمالي الشرقي. ومع ذلك لم ترجع إلا نسبة قليلة من الأهالي وغالبيتهم من العاملين برعاية الماشية. والسبب الرئيسي لعدم العودة هو التباطؤ الحكومي في إعادة تأهيل البنية التحتية وإصلاح شبكتي الكهرباء والمياه، وانتشار حواجز تفتيش لقوات النظام وجيش التحرير الفلسطيني واتخاذ بعض المنازل والمدارس كمقرات عسكرية، وانتشار القذائف والألغام من مخلفات الحرب.
أكبر التجمعات السكانية للبدو المُهجّرين، تمتد بين بلدتي بصرى الشام في درعا والقريا في السويداء، بالإضافة إلى تجمعات في سهول المليحة وصما الهنيدات وناحتة والدارة، وفي سهول عرى وكناكر والثعلة والأصلحة وسكاكا وأم ولد، وتجمعات أصغر في منطقة اللجاة. ويعيش في سهول صما الهنيدات-المليحة وحدها، حوالي ألف نسمة. ويقطن المهجرون في خيم شعر، يتجاوز عددها 80 خيمة، موزعة على الأراضي الزراعية. بعضهم يدفع ضماناً مالياً لأصحاب الأراضي لقاء الإقامة، وبعض العائلات تعيش في حوالي 25 مزرعة، لأهالي درعا والسويداء. انخرط هؤلاء المهجرون خلال السنوات الماضية، بالعمل الزراعي كمصدر للعيش، فأصحاب المشاريع الزراعية المنتشرة بشكل واسع في المنطقة، يعتمدون عليهم في أعمال الزراعة، وجني المواسم، وحراسة المزارع والمشاريع، ورعاية المواشي. المهجرون، باتوا اليد العاملة المحركة لاقتصاد المنطقة، كما أن بعضهم بات لديهم أملاك من أراضي زراعية، بيوت ومزارع.
في 27 نيسان، فرضت قوات النظام وميليشيات موالية طوقاً أمنياً على المنطقة الممتدة بين قرية صما الهنيدات غربي السويداء، والمليحة شرقي درعا، ثم اقتحمت عشرات الخيم والمزارع التي يقطنها مُهجّرون من عشائر البدو. وجاءت المداهمات، التي ترافقت مع اعتقالات وتخريب ونهب للممتلكات والخيام، بهدف ترحيل “الغرباء” عن المنطقة، بحسب وصف المشاركين فيها.
وشاركت في المداهمات قوات للنظام بمؤازرة ميليشيا موالية من أحد فصائل التسوية في درعا. وفصائل التسوية، هي من قوات المعارضة التي صالحت قوات النظام في العام 2018، وباتت تعمل بالتنسيق معها. واستمرت المداهمات حوالي أربع ساعات، وتعرّض المهجّرون للاعتداء بالضرب والشتائم، بمن فيهم النساء، وسلب أموالهم وأثاثهم وسياراتهم ودراجاتهم النارية ومواشيهم، وتكسير بعض خيامهم. وتلقى المُهجّرون تهديدات من عناصر الميليشيات لمغادرة المنطقة. وانسحبت القوات المُداهمة، بعد اعتقالها 9 أشخاص من المُهجّرين البدو، ممن سلمتهم إلى فرع شعبة المخابرات العسكرية في درعا. وبعد تحقيقات وصفت بالشكلية، أطلق سراح أولئك المعتقلين، خلال فترة وجيزة.
في صباح 29 نيسان، اقتحمت قوات من اللواء الثامن في الفيلق الخامس، بعض منازل المُهجّرين من عشائر البدو في قرية جبيب، وسلبتهم سيارات ودراجات نارية وبعض الممتلكات. ويقود اللواء الثامن الذي أحمد العودة، ويتخذ من مدينة بصرى الشام مقراً له، وهو من أبرز فصائل التسوية، ويتبع عملياً لشعبة المخابرات العسكرية، ويتلقى دعماً روسياً. اقتحام اللواء الثامن للقرية، جاء بعد ثلاثة أيام على مهلة سبق ووجهها للمُهجّرين البدو القاطنين فيها، للرحيل عنها.
على إثر تلك المداهمات، نزحت عشرات العائلات من المُهجّرين البدو إلى بادية السويداء الشرقية، وقامت المخابرات العسكرية بترفيقها، أي حمايتها أثناء الانتقال، مقابل مبالغ مالية.
مراسل سيريا ريبورت في المنطقة، قال بإن القوات المُداهمة تتهم تجمعات البدو بإيواء تجار مخدرات، ومتورطين بالجريمة المنظمة. ويبدو بأن تلك الاتهامات تحمل مبالغات، وتحميل لكافة المشاكل الأمنية في المنطقة، للمُهجرين البدو، وسط تصاعد اللهجة العدائية من فصائل التسوية في ريف درعا الشرقي ضدهم.
احد المهجرين من قرية القصر، قال لسيريا ريبورت، إنه يعيش في المنطقة منذ 2018، ويعمل حارساً لإحدى مزارع الخضار، ويملك بعض رؤوس المواشي، سُلبت منه في الاقتحام الأخير. وأضاف أنه لا يستطيع العودة إلى قريته شمال شرقي السويداء، كون بيته مدمر بسبب القصف في العام 2017. وأضاف أنه مطلوب للخدمة العسكرية الإلزامية، والعودة تعني إجراء تسوية أمنية في فرع الأمن العسكري في درعا، يتعهد فيها الالتحاق بالخدمة العسكرية خلال مهلة قصيرة. كما أشار إلى صعوبة النزوح إلى البادية السورية أيضاً، بسبب توالي سنوات الجفاف، والظروف الأمنية الخطيرة.