داريا: العودة لجمع التبرعات؟
ما زالت العودة إلى مدينة داريا في غوطة دمشق الغربية، لحد اليوم انتقائية وجزئية، وسط غياب شبه كامل للخدمات الرئيسية. ومع ذلك، يبدو أن تلك العودة الجزئية باتت عاملاً أساياً في تمويل إعادة تأهيل الخدمات في المدينة. إذ تعتمد الجهات الرسمية في إعادة تأهيلها للبنى التحتية المدمرة في المدينة على المساعدات والتبرعات من العائدين، وذلك مقابل السماح لهم بتأهيل عقاراتهم الخاصة.
وتعرضت المدينة لحصار شديد فرضته قوات النظام، ما بين العامين 2012-2016، انتهى بتهجير كامل السكان قسرياً بعدما سويت أحياء كاملة من المدينة بالأرض بسبب القصف الجوي. وأعلنت محافظة ريف دمشق، في آب 2018، السماح لسكان المدينة بالعودة، بشرط تقديم وثائق تتضمن إثبات ملكية عقار ضمن المدينة، والحصول على موافقة أمنية مسبقة. العودة الجزئية بدأت فعلياً منتصف العام 2019.
وكان يسكن داريا نحو 255 ألف نسمة في العام 2007، بحسب الإحصاءات الرسمية. عودة الخدمات تدريجياً، بحسب رئيس مجلس المدينة مروان عبيد، سرّعت من وتيرة عودة الأهالي ليصل حالياً إلى 80 ألف نسمة. وأشار عبيد، إلى تعاون المجتمع المحلي وفعاليات المدينة الاقتصادية، ما أدى إلى عودة الكثير من المرافق العامة والخدمات.
مراسل سيريا ريبورت في المنطقة، أشار إلى أن نحو 25 ألف شخص فقط قد عادوا إلى داريا، بحسب تقديرات أهلية. وأضاف أن عملية إزالة الأنقاض من أحياء المدينة لم تنته، وأن الأهالي يدفعون الرشاوى لعمال البلدية لإزالة الأنقاض من أمام منازلهم، أو القيام بذلك على نفقتهم الخاصة.
وزير المالية ومحافظ ريف دمشق، زارا داريا في منتصف حزيران، لتفقد أعمال تأهيل مبنى مديرية المالية المؤقت ومبنى المصالح العقارية. والمبنى المؤقت للمالية تعود ملكيته لبلدية داريا، ويتم العمل على ترميمه بناء على دعم من مجلس المدينة وتبرعات الأهالي. وأشار الوزير، إلى أن التعاون المجتمعي والأهلي الكبير أسهم بعودة الكثير من المرافق العامة والخدمات في المدينة، من المدارس والمركز الصحي ومقسم الهاتف والمخبز الآلي والمحكمة ومجلس المدينة. محافظ ريف دمشق، أكد خلال الزيارة ذاتها، أهمية بذل المزيد من الجهود والتعاون على أرض الواقع بين الفعاليات الاقتصادية والمحافظة والأهالي لعودة المزيد من المرافق العامة والخدمات لأهالي داريا.
التركيز في التصريحات الرسمية على التعاون بين المجتمع المحلي وفعاليات المدينة الاقتصادية من جهة ومؤسسات الدولة من جهة ثانية، لتأهيل واستعادة الخدمات، يشير إلى غياب الاعتمادات المالية الرسمية لإعادة تأهيل المدينة شبه المدمرة. إذ بات مجلس المدينة يعتمد في إعادة تأهيل المباني الرسمية وإزالة الأنقاض، إلى حد كبير، على مساهمات مالية من المقتدرين من الأهالي والتجار، أو تبرعهم بمساهمات عينية من مواد البناء والآليات، وذلك مقابل تسهيل منحهم رخص العمل وإعادة الترميم. مجلس المدينة كان قد أعلن في أيلول 2019 عن تشكيل لجنة مستقلة لجمع التبرعات للعمل على إعمار المدينة.
ومع ذلك، الخدمات ما زالت غائبة بشكل شبه كلي عن المدينة من كهرباء وماء ونظافة وصرف صحي ومواصلات، بعدما تضررت البنى التحتية بشكل كبير خلال الحرب. وبرنامج تقنين الكهرباء في داريا يصل فعلياً إلى انقطاع لأكثر من 23 ساعة يومياً، مع ما يستتبعه ذلك من انقطاع ضخ ماء الشرب.
وكانت وزارة الأشغال العامة والإسكان، قد أعلنت في آيار 2018، عن انتهاء اللجان الفنية فيها من وضع تصور لمخطط تنظيمي جديد لمدينة داريا. مديرة التخطيط العمراني في الوزارة، قالت حينها لصحيفة الوطن شبه الرسمية، إنه بحسب المخطط الجديد قُسّمت داريا إلى أربعة مناطق تضمّ أجزاءً سكنية وخدمية واستثمارية. والمخطط التنظيمي الجديد لمدينة داريا يأتي ضمن تصوّر أشمل يضم المنطقة التنظيمية الثانية في مدينة دمشق التي نصّ عليها المرسوم 66 لعام 2012، والمعروفة باسم باسيليا سيتي، والتي تضمّ أيضاً أجزاءاً من المناطق العقارية التالية؛ مزة، كفرسوسة، قنوات بساتين وقدم.