حكومة الإنقاذ تُصادر اختصاصات نقابة المهندسين
تواصل نقابة المهندسين الأحرار في إدلب مباحثاتها مع حكومة الإنقاذ التابعة لهيئة تحرير الشام، للتخفيف من مفاعيل القرار رقم 307 الصادر في 22 أيار 2023، عن وزارة الإدارة المحلية والخدمات في حكومة الإنقاذ، القاضي بإحداث مديرية الشؤون الهندسية في الوزارة، وإيكالها بمعظم مهام النقابة.
وترجع مصادر من الوزارة قرارها، إلى ما تصفه بالنتائج الكارثية التي خلفها زلزال 6 شباط 2023، وغياب دور النقابة في البناء والتطوير للبنية التحتية، وعدم وجود دراسات هندسية حديثة تواكب الحركة العمرانية وتسعى لتلافي هذه المشاكل وتصحيحها.
وكان زلزال 6 شباط قد تسبب بانهيار جزئي وكلي لمئات الأبنية في مناطق سيطرة حكومة الإنقاذ في إدلب وريف حلب، لأسباب متعددة أبرزها الأضرار الناجمة عن القصف السابق لقوات النظام، وغياب الإشراف الهندسي على التخطيط الهندسي والتنفيذ، والتوسع بالبناء العشوائي غير المرخص.
القرار 307، صدر عن وزارة الإدارة المحلية والخدمات، بناء على مرسوم رئاسة مجلس الشورى العام وهو بمثابة السلطة التشريعية، وعلى موافقة رئيس مجلس الوزراء في حكومة الإنقاذ التابعة لهيئة تحرير الشام، الفصيل الإسلامي المتطرف المسيطر على إدلب.
القرار تضمن إحداث مديرية الشؤون الهندسية، وحدد مهامها بتدقيق جميع المخططات الهندسية الخاصة بالمعاملات الإدارية في وزارة الإدارة المحلية والخدمات، وتدقيق المشاريع والدراسات الهندسية في جميع قطاعات العمل، ومنح ترخيص مزاولة المهنة للمهندسين، وتصنيف المكاتب والشركات الهندسية ومنح الرتب الهندسية، وتصنيف المقاولين ومنحهم ترخيص مزاولة المهنة، واعتماد الكوادر الهندسية الدارسة والمشرفة على جميع الدراسات الهندسية في إدلب.
القرار ألغى الصلاحيات الممنوحة للجهات المرتبطة بتنفيذ المهام السابقة، واعتبر أن المديرية المحدثة هي الجهة الوحيدة المخولة تنفيذها في إدلب. والمقصود بالجهات المرتبطة بتنفيذ المهام السابقة هي فرع إدلب في نقابة المهندسين الأحرار. وكانت نقابة المهندسين الأحرار قد تأسست في العالم 2014 في مناطق سيطرة المعارضة، ولها فرعان؛ فرع إدلب وفرع حلب. في العام 2020، أعيد تشكيل فرع إدلب باسم نقابة المهندسين السوريين-فرع ادلب. ويضم الفرع 850 منتسباً في إدلب. وقد تسبب القرار 307 في حرمانهم من عائدات الدراسات الهندسية والاشراف التي كانت تشكل مصدر تمويل للنقابة ومنتسبيها وصندوق التكافل المشترك بين الأعضاء. النقابة كانت تُقسّمُ العمل بين أعضائها، وفق جداول محددة، وكانت تعطي بعض الأجور للأعضاء من صندوق التكافل.
أيضاً، علمت سيريا ريبورت بأن وزارة الإدارة المحلية والخدمات، فرضت على شركات المقاولة العاملة في إدلب وجوب توظيف مهندس منتدب من مديرية الشؤون الهندسية، تكون مهمته الإشراف ومتابعة تنفيذ المشاريع. القرار يفرض على تلك الشركات أن تدفع راتباً للمهندس المنتدب يصل تقريباً إلى 600 دولار شهرياً. وعملية الفرض تلك تمت من دون الاستناد إلى قرار مكتوب رسمي، بل تم تبليغه شفويا للمقاولين وشركات المقاولة الراغبة باستمرار العمل في مناطق حكومة الإنقاذ. كما فرضت الوزارة على المقاولين المتعاقدين معها استخدام البيتون الذي ينتجه مجبل إشبيليا في أعمالهم الإنشائية. وليس واضحاً لمن تعود ملكية المجبل الواقع بالقرب من معبر باب الهوى شمال إدلب، وينتج البحص والرمل والبيتون اللازم للبناء. ويُشرف مهندسون من الوزارة على إنتاج مواد البناء في المجبل، ويختبرونها هندسياً.
قطاع البناء في إدلب كان قد مرّ خلال السنوات الماضية بأزمات كثيرة، منها انتشار البناء غير المرخص، وعدم قدرة السلطات البلدية ونقابة المهندسين على فرض التنظيم، وهو الأمر الذي ظهرت نتائجه بوضوح في الدمار واسع النطاق الذي أحدثه زلزال 6 شباط.
مستشار وزير الإدارة المحلية والخدمات في حكومة الإنقاذ المهندس سعيد الأشقر، قال لمراسل سيريا ريبورت، إن هناك ضرورة لفرض الرقابة على جميع الدراسات الهندسية التي تقدمها المكاتب الهندسية والشركات، للتأكد من تطبيق الكود العربي السوري المعتمد في البناء وملحقه الخاص بالزلازل، وتدقيق المخططات المعمارية و تطبيق نظام ضابطة البناء.
في المقابل، تنفي النقابة مسؤوليتها عن سوء تنفيذ الأعمال الإنشائية قبل الزلزال. أحد أعضاء النقابة قال لمراسل سيريا ريبورت، إن معظم الأبنية التي تضررت من الزلزال بنيت في فترة المخالفات وغياب الرخص، والنقابة ليس لها سلطة تنفيذية لفرض ضابطة البناء. ويشير المهندس إلى أن الحكومة والبلديات هي التي تطبق القانون وتمنح رخص البناء وتتابع تنفيذها، وهي المسؤولة عن الفوضى والعشوائية. ويضيف المهندس أنه ينبغي أن يكون هناك تكامل بين الوزارة ونقابة المهندسين، لا أن تسحب الحكومة الصلاحيات من النقابة. وأضاف أن وزارة الإدارة المحلية اختارت بضعة مهندسين تابعين لها، بعضهم لا تتجاوز خبرته السنة الواحدة، وفرضتهم لمتابعة أعمال شركات المقاولة. وفي هذا احتكار للعمل الهندسي من طرف الوزارة. وأضاف أن القرار يصب في صالح وزارة الإدارة المحلية، ويضر بالمهندسين الأحرار ونقابتهم. هذا بالإضافة إلى الضرر المحتمل وقوعه مستقبلاً على حسن سير الإنشاءات بعد تغييب خبرات نقابة المهندسين.
وكانت نقابة المهندسين قد بذلت جهداً كبيراً جداً بعد وقوع الزلزال، وشكلت بالتعاون مع وزارة الإدارة المحلية، ومديرية الخدمات الفنية التابعة لمحافظة إدلب، لجاناً لتقييم أضرار الزلزال، من مهندسين متطوعين من أعضاء النقابة، لتقييم الأضرار على الأبنية المتصدعة، وتقييم سلامتها الإنشائية، إن كانت صالحة للسكن، وهل يجب إخلاؤها أو ترميمها.
ووسط تبادل الاتهامات بين الطرفين، تمّ تشكيل لجنة مشتركة من سبعة مهندسين، من النقابة، ومن وزارة الإدارة المحلية، لدراسة النظام الداخلي الناظم لعمل نقابة المهندسين. وستحدد اللجنة مهام نقابة المهندسين، عبر إعداد نظام داخلي جديد لها، وتنظيم عمل المكاتب والشركات الهندسية في إدلب. وتعمل اللجنة أيضاً على وضع نظام مالي يحقق للمهندس دخلاً منتظماً، وتنفيذ القرارات الصادرة عن الهيئة العامة المنتخبة لنقابة المهندسين، أعلى سلطة في نقابة المهندسين.