حكومة الإنقاذ تنقل صلاحيات الإدارة المدنية من المجالس المحلية إلى البلديات المركزية
بعد تحييدها لنقابة المهندسين الأحرار في إدلب، في أيار الماضي، بدأت وزارة الإدارة المحلية والخدمات في حكومة الإنقاذ، التابعة لهيئة تحرير الشام المسيطرة على إدلب، العمل على تحييد المجالس المحلية وتطبيق نظام إداري جديد للمناطق يقوم على البلديات المركزية.
وتبرر الوزارة ذلك بنتائج زلزال 6 شباط 2023 المدمرة شمال غربي سوريا، وتحمّل المجالس المحلية ونقابة المهندسين، المسؤولية عن انتشار البناء غير المرخص قبل الزلزال. ورغم أصوات الاعتراض من المجالس المحلية والنقابة، تبدو الوزارة ماضية في تسريع تطبيق مشروع قانون البلديات المركزية الجديد رغم عدم إصداره رسمياً بعد. ويسحب مشروع القانون معظم المهام الفنية والإدارية من المجالس المحلية، ويمنحها للبلديات المشكلة حديثاً.
مستشار وزير الإدارة المحلية المهندس محمد سعيد الأشقر، قال لمراسل سيريا ريبورت، إن مشروع قانون البلديات، يتضمن تقسيم إدلب إلى ثمانية بلديات. والبلديات الثمانية، هي أجسام فنية اختصاصية، لها مرجعية موحدة ناظمة لعملها. وتصدر عن البلديات الرخص بكافة أنواعها، وتقوم بإجراء الكشوف الفنية على المنشآت والأبنية أثناء بنائها، إضافة لممارسة دور الرقابة على المنشآت المرخصة. ويتبع للبلديات مراكز استقبال موزعة ضمن النطاق الجغرافي لعمل كل بلدية، وقد يصل عددها إلى 30 مركزاً. وتستقبل مراكز الاستقبال الشكاوى بشتى أنواعها، وطلبات الترخيص، وتسوية وضع العقارات المخالفة، ومن ثم تحيلها إلى البلدية.
ويفترض إجراء عملية انتخابية جديدة للمجالس المحلية في كل الوحدات الإدارية، وبعدها يُشكّلُ كل الأعضاء المنتخبين في نطاق كل بلدية من البلديات الثمانية، هيئة انتخابية، تنتخب بدورها المجلس البلدي. بينما سيتم قصر دور المجالس المحلية، على الجانب الاجتماعي التمثيلي، ونقل مشاكل الناس وطرحها على إدارة المنطقة. أي لن يعود للمجالس المحلية أي دور على صعيد الخدمات الفنية والإدارية ضمن مناطقها.
ويفترض أن يصدر القانون مطلع العام 2024، ولكن الوزارة تتصرف وكأنه قد صدر فعلياً. إذ قسمّت الوزارة إدلب الى 8 مناطق إدارية، وشكلت في كل منها بلدية مركزية، وعينت طواقمها بشكل مباشر، من دون أي عملية انتخابية. والبلديات هي؛ بلدية منطقة إدلب، وبلدية المنطقة الوسطى، وبلدية المنطقة الشمالية، وبلدية أريحا، وبلدية سرمدا، وبلدية أطمة، وبلدية حارم، وبلدية جسر الشغور.
الوزارة بدأت اصدار تعاميم وتوجيهها إلى تلك البلديات الجديدة، كالتعميم رقم 14 في 1 حزيران 2023 الخاص بالأبنية المملوكة على الشيوع ومعاملتها على وضعها الراهن، وترخيصها بعد إعداد مشروع إفراز هندسي مطابق لنظام ضابطة البناء.
وتبرر وزارة الإدارة المحلية الحاجة لقانون البلديات، بغياب المرجعية الفنية للمجالس المحلية خاصة خلال فترة ما قبل الزلزال المدمر. والمقصود بهذه المرجعية، هو المرجعية العلمية الهندسية التي تناسب الواقع في إدلب. إذ ترفض الوزارة الاعتماد على قانون الإدارة المحلية رقم 107 لعام 2011، المعمول به في مناطق سيطرة النظام، كما ترفض البلاغات والتعليمات السابقة للبلديات الصادرة عن وزارة الإدارة المحلية والبيئة في حكومة دمشق.
وفي ظل غياب المرجعية الهندسية والقانونية الموحدة، كان الملف الفني الهندسي، بحسب المستشار الأشقر، خاضعاً لسياسة التجاذبات الاجتماعية داخل المكاتب الفنية للمجالس المحلية. ومع قانون البلديات الجديد، سيعود الدور الفني والهندسي ليقع فقط على عاتق البلديات، والوزارة.
وبالتالي، ستتعامل البلديات مع كل القضايا السابقة التي كانت تهتم بها المجالس المحلية، ومنها التجاوز على المرافق العامة والطرقات، وتزوير وثائق المعاملات الإدارية، والبناء بدون ترخيص، وصبّ الأسقف البيتونية بغياب اشراف هندسي بلدي، واغلاق الشوارع بمواد البناء أو الردميات، وتوريد مواد بناء إلى موقع غير مرخص، وأماكن وضع البسطات والأكشاك في الطرقات والممرات.
مصدر في أحد المجالس المحلية، اعتبر ما تقوم به الوزارة احتكاراً للعمل الهندسي والفني وربطه حصرياً بحكومة الإنقاذ. وأضاف أن هذا التوجه سيزيد من المركزية وسيلغي المرونة في التعاطي مع قضايا الناس اليومية. وإذ أشار المصدر إلى أهمية وجود مرجع موحد للسياسات البلدية هندسيا وتنظيمياً، لكنه أضاف بأن الحل لا يكون بسحب صلاحيات المجالس المحلية، ومن قبلها نقابة المهندسين، في مجال الدراسات الهندسية والإشراف والترخيص، بل كان الأجدر زيادة صلاحيات هذه الجهات، بدلاً من مراكمة الصلاحيات بيد حكومة الإنقاذ.
ومنذ سيطرة المعارضة على إدلب في العام 2012، ومن ثم هيئة تحرير الشام، لم تعقد أي انتخابات بلدية. والمجالس المحلية القائمة حالياً في إدلب بمعظمها معينة تعييناً، وجزء بسيط منها منتخب بشكل توافقي محلي، وهي لا تستند في عملها إلى قانون الإدارة المحلية رقم 107. حكومة الإنقاذ أعادت هيكلة المجالس المحلية، في العام 2019، عبر إنشاء مجلس شورى بكل وحدة إدارية، لاختيار أعضاء المجلس المحلي.
وكانت وزارة الإدارة المحلية والخدمات في حكومة الإنقاذ قد أصدرت القرار رقم 307 في 22 أيار 2023، القاضي بإحداث مديرية الشؤون الهندسية في الوزارة، وإيكالها بمعظم مهام نقابة المهندسين. وأثار ذلك اعتراضات كثيرة ضمن نقابة المهندسين الأحرار في إدلب. وأيضاً، بررت مصادر من الوزارة قرارها، بما وصفته بالنتائج الكارثية التي خلفها زلزال 6 شباط 2023، وغياب دور النقابة في البناء والتطوير للبنية التحتية، وعدم وجود دراسات هندسية حديثة تواكب الحركة العمرانية وتسعى لتلافي هذه المشاكل وتصحيحها. في المقابل، تنفي النقابة مسؤوليتها عن سوء تنفيذ الأعمال الإنشائية قبل الزلزال، وتؤكد أن ليس لها سلطة تنفيذية لفرض ضابطة البناء.