جنديرس بعد شهرين على الزلزال
بعد مرور أكثر من شهرين على زلزال 6 شباط، ما زالت بلدة جنديرس التابعة لمنطقة عفرين في ريف حلب الشمالي الغربي والخاضعة لسيطرة الحكومة السورية المؤقتة المعارضة، تعاني من آثاره المدمرة.
وكانت جنديرس قد تعرضت لدمار شبه كامل بسبب الزلزال، وقتل فيها حوالي 800 شخص بانهيار 278 بناء بشكل كامل، و1100 بناء بشكل جزئي. وما زال أصحاب المنازل المدمرة والمتضررة يقطنون في 4 مراكز إيواء رئيسية منتشرة بالقرب من المدينة، بالإضافة إلى مخيمات صغيرة ضمن المدينة.
معظم سكان جنديرس بالأصل من الكرد، وفي العام 2012 سيطرت عليها وحدات حماية الشعب الكردية، ثم سيطرت عليها فصائل الجيش الوطني المعارضة المدعومة من تركيا في العام 2018 في عملية غصن الزيتون، ما تسبب بنزوح جزء كبير من سكانها الأصليين. في المقابل، نزح إلى جنديرس عدد كبير من المهجرين قسرياً من مناطق سيطرة النظام السوري خاصة من ريف دمشق، حمص وحماة. وبلغ عدد سكانها حوالي 115 ألف نسمة في العام 2022 بحسب تقديرات مجلسها المحلي.
مباشرة بعد الزلزال، أجرت لجان مسح شامل “لجان تقييم أضرار الزلزال“، شكلها فرع حلب في نقابة المهندسين السوريين الأحرار، كشوفاً ميدانية على الأبنية الـ1100 المتضررة في جنديرس. في منتصف أذار الماضي، أنهت تلك اللجان عملها، وصنّفت الأبنية بحسب الأضرار ضمن ثلاثة خانات؛ أضرار بسيطة، متوسطة وجسيمة. وبلغ عدد الأبنية المصنفة متضررة بشكل جسيم 45 بناءً.
بعدها، طلب مجلس جنديرس المحلي، من لجنة سلامة عامة مركزية مكونة من تسعة مهندسين استشاريين من النقابة، الكشف على تلك الأبنية ذات الأضرار الجسيمة لإصدار تقييمها النهائي بإزالتها أو تدعيمها. وارتأت اللجنة، هدم وإزالة أغلب تلك الأبنية الـ45 بشكل كامل، أو هدم وإزالة أجزاء منها وتدعيم الباقي.
وتجدر الإشارة إلى أن نقابة المهندسين، كانت قد وقعت في 19 شباط 2023، مذكرة تفاهم مع مؤسسة رحمة بلا حدود، وهي منظمة غير حكومية تأسست في العام 2012 ومرخصة في تركيا، تقوم بموجبها المؤسسة بتأمين المعدات ودفع تكاليف عمليات الكشف على الأبنية، وبدلات تنقل وتعويضات المهندسين.
جميع نتائج عمل لجان المسح الشامل ولجنة السلامة العامة، تم تسليمها للمجلس المحلي الذي تقع على عاتقه مهمة التنفيذ. المجلس بدوره كلف لجنة الهدم والإزالة التابعة له، بإصدار قرار نهائي بخصوص تلك الأبنية. في 6 نيسان، أعلن المجلس المحلي إزالة أول 10 أبنية منها، وأعطى أصحابها مهلة 3 أيام للاعتراض. وليس واضحاً بعد ما هي الآليات القانونية في حال اعتراض أحدهم، ولكن، حتى وقت كتابة هذا المقال لم يرد إلى المجلس أي اعتراض. ويفترض بعد انتهاء مهلة الاعتراض، أن تقوم لجنة الهدم والإزالة، بهدم وترحيل أنقاض تلك الأبنية.
وستعمل لجنة السلامة العامة في المرحلة المقبلة على الكشف عن الأبنية المتضررة بشكل متوسط التي تحتاج إلى تدعيم. ويمكن للجنة، أن تقرر تدعيم بعض تلك الأبنية، أو إزالتها. وذلك لأنه مع الهزات الارتدادية ساء وضع بعض الأبنية المصنفة متوسطة الخطر.
رئيس لجنة السلامة العامة في فرع حلب في نقابة المهندسين الأحرار سمير بويضاني، شرح لسيريا ريبورت، بعض المعايير الهندسية لتحديد سلامة المبنى الإنشائية. على سبيل المثال؛ تقرر اللجنة إزالة أي مبنى أظهر ميلاً بالعين المجردة حتى لو كان خالياً من التشققات. بينما قرار التدعيم يعتمد أن كلفة تدعيم البناء لا تتجاوز 50% من كلفة إنشاء هيكله الخرساني. وهنا، الجدوى الاقتصادية هي الفيصل.
بحسب بويضاني، ليس من مهام لجنة السلامة العامة تحديد طريقة التدعيم، إذ أن طريقة التدعيم تحتاج الى دراسة هندسية خاصة بكل بناء. ولذلك، يُحال أمر التدعيم إلى المكاتب الهندسية الخاصة المرخصة من نقابة المهندسين، بالتنسيق مع المجلس المحلي، وموافقة أصحاب البناء. وليس واضحاً لحد اليوم، إن كان هناك أي طرف حكومي أو من المنظمات غير الحكومية، سيساهم أو سيمول عملية التدعيم والترميم للأبنية المتضررة التي تحتاج تدعيماً قبل سكنها مجدداً.
في المقابل، سادت في البلدة حالات ترميم فردية للمنازل المتضررة بشكل بسيط، على نفقة أصحابها. عمليات الترميم البسيطة تشمل إعادة بناء الجدران المهدومة بالبلوك والاسمنت، وأعمال التطيين، وتصليح النوافذ والأبواب وغيرها، وبناء الأسوار الخارجية وإصلاح الساحات الداخلية للبيوت. وغالباً، ما لا تتضمن تلك الأعمال إضافة أي تدعيم معدني أو بالخرسانة المسلحة للأعمدة والعضاضات. وعمليات الترميم الفردية تلك قد تنطوي على مخاطر منها طمس المشاكل التي خلفها الزلزال في الكتلة الانشائية للبناء، ما قد يولد خطراً مستقبلياً على البناء.
بخصوص إزالة الأنقاض، ما زال الأمر فوضوياً وسط غياب الآليات القانونية التي تحمي حقوق أصحاب الأنقاض بالسكن. وما زالت منظمات غير حكومية، تعمل على ترحيل الأنقاض من جنديرس، بالتعاون مع المجلس المحلي ومؤسسة الدفاع المدني السوري “الخوذ البيضاء”. مؤخراً، منظمة تكافل الشام، السورية المسجلة في تركيا منذ العام 2013، أطلقت في 4 نيسان مشروع بلسم، الذي يهدف لإزالة الأنقاض وإعادة تأهيل عدد من الأسواق والطرقات داخل البلدة وفق مبدأ “النقد مقابل العمل” لأهالي البلدة. وعلى غرار غيرها من المشاريع التي تطلقها المنظمات غير الحكومية، لم يتضمن “بلسم” أي توضيح بأن الأنقاض هي الدليل الأخير على ملكية أصحابها لمساكنهم المنهارة، ولا مصير الممتلكات الأصلية والحيازات التي قامت عليها.