جنديرس بريف عفرين: فاتورة الزلزال الأكبر في مناطق المعارضة
تعرضت بلدة جنديرس التابعة لمنطقة عفرين في ريف حلب الشمالي الغربي والخاضعة لسيطرة الحكومة السورية المؤقتة المعارضة، لدمار شبه كامل، في زلزال 6 شباط 2023، وباتت منكوبة وغير مأهولة. الحصيلة الكبيرة لعدد القتلى تحت أنقاض مئات المنازل المدمرة بشكل جزئي أو كلي، تشير إلى أن وجود مشاكل خطيرة في طريقة البناء وعدم تحقيقها لأدنى معايير الحماية ضد الزلازل.
إذ سقط في البلدة حوالي 800 قتيل، وما زالت جارية عمليات البحث وانتشال الجثث من تحت الأنقاض حتى ساعة إعداد هذا التقرير. وبحسب إحصاءات مجلس جنديرس المحلي التابع للمعارضة، فقد انهار 257 بناء بشكل كامل، وحدثت انهيارات جزئية وتصدعات في 1100 بناء آخر. وباشرت لجان من الدفاع المدني ومن نقابة المهندسين الأحرار الناشطة في مناطق المعارضة، بعد انتهاء أعمال البحث والإنقاذ للناجين، بدراسة وضع جميع الأبنية المتبقية في البلدة بعد الزلزال، وتقييم حالتها، وتحديد الأبنية الآيلة للسقوط غير القابلة للسكن التي قد تشكل خطراً على حياة السكان إن عادوا إليها.
وقد أقيمت مراكز إيواء مؤقتة للناجين من الزلزال في جنديرس، في بلدة جنديرس ومدينة عفرين، في حين نزح كثيرون إلى المخيمات المنتشرة على الشريط الحدودي-السوري التركي.
وبحسب إحصاء العام 2004 بلغ عدد سكان جنديرس حوالي 14 ألف نسمة، ومعظمهم من الكرد، كما معظم سكان عفرين حينها. في العام 2012 سيطرت وحدات حماية الشعب الكردية على جنديرس، وعموم منطقة عفرين. ثم سيطرت عليها فصائل الجيش الوطني المعارضة المدعومة من تركيا في العام 2018 في عملية غصن الزيتون، ما تسبب بنزوح جزء كبير من سكانها الأصليين الكرد. في المقابل، نزح إلى جنديرس عدد كبير من المهجرين قسرياً من مناطق سيطرة النظام السوري خاصة من ريف دمشق، حمص وحماة، حتى بلغ عدد سكانها حوالي 115 ألف نسمة بحسب تقديرات مجلسها المحلي في العام 2022.
غالبية أبنية البلدة غير مرخصة. إذ أن البلدة تاريخياً كانت نائية لم تحظ بأي اهتمام حكومي أو بلدي. للبلدة مخطط تنظيمي قديم، لم تلتزم أي سلطة بلدية به، كما لم يلتزم أحد بمعايير السلامة الإنشائية للأبنية خلال جميع فترات السيطرة المختلفة.
بحسب مراسل سيريا ريبورت في المنطقة، يمكن تقسيم بلدة جنديرس إلى ثلاثة أقسام؛ قسم يعود بناؤه إلى ما قبل العام 2011، وقسم إلى فترة سيطرة الوحدات الكردية 2012-2018، وقسم بني خلال فترة السيطرة الحالية للمعارضة وهو الأكبر والأكثر تضرراً. القسمين الثاني والثالث هما في معظم الحالات عبارة عن مناطق توسع عشوائي حول البلدة القديمة.
العشوائيات التي ظهرت بعد العام 2012، أقيمت على ملكيات زراعية خاصة يملكها سكان المنطقة الأصليين. بعد العام 2018، اشترى نازحون جدد إلى المنطقة بعض تلك الأراضي الزراعية وبنوا عليها أبنية طابقية غير مرخصة، شبه متماثلة. كما استولى بعض النازحين الأخرين على بعض أراضي الغائبين عن المنطقة وقاموا بالبناء عليها بنفس الطريقة. في الحالتين، غالباً ما يتم البناء بالاستعانة ببعض متعهدي البناء المعروفين محلياً باسم معلمي العمار أو نجاري الباطون. وهؤلاء، هم في الغالب من أصحاب الخبرة في البناء، ولكن من غير الحاصلين على تأهيل علمي.
وإن كان الدمار قد تركز في العشوائيات المبنية بعد العام 2018، إلا أن الأضرار طالت جميع أقسام البلدة. مهندس انشائي في المنطقة قال لمراسل سيريا ريبورت إنه خلال مختلف مراحل السيطرة، لم تقم أي سلطة بلدية أو لجنة هندسية مستقلة، باختبار التربة، أو دراسة ميكانيك التربة. واختبار التربة هو الأداة العلمية التي تساعد على تقييم وتحليل الخصائص الفيزيائية والهندسية للتربة، والتأكد من قدرتها على التحمل في حالة البناء فوقها، وتحديد نوعية الأساسات المناسبة لها لتجنب مخاطر الانهيار، مع الأخذ بعين الاعتبار لعوامل الحماية من الزلازل.
المهندس الانشائي أشار إلى أن معظم أساسات الأبنية في البلدة لم تكن تصل إلى القشرة الصخرية، ولم يجرِ التأسيس الهندسي المناسب للأبنية في هذه الحالة. كما أن البناء متعدد الطبقات، خاصة في مرحلة سيطرة المعارضة، لم يراعِ الأحمال الزائدة على التربة في ظل غياب التأسيس المناسب لها. وأضاف المهندس، بأن عدم قيام أي سلطة بلدية، خلال مراحل السيطرة المختلفة، بفرض الترخيص الإجباري للأبنية، بما يراعي اشتراطات الكود العربي السوري لتصميم وتنفيذ المنشآت بالخرسانة المسلحة لتكون مقاومة للزلازل. وكان لذلك أن يحمي الكثير من الأبنية في الانهيار، وبالتالي تقليل عدد الضحايا، والخسائر في الممتلكات.
وكانت نقابة المهندسين الأحرار فرع حلب، قد حاولت منذ العام 2021، فرض وجود جهة فنية مختصة لمراقبة ترخيص وتنفيذ الأبنية في مناطق سيطرة الحكومة السورية المؤقتة، ولكن لم تلق تلك المحاولة استجابة بسبب الفوضى والعشوائية التي تسود قطاع البناء في المنطقة لتلبية الضغط الكبير والحاجة الكبيرة للسكن.