جبل السماق: تحرير الشام تستحوذ على أملاك الدروز الغائبين
وضعت هيئة تحرير الشام،الفصيل الإسلامي المتطرف،يدها على أملاك للدروز في قرى وبلدات جبل السماق “باريشا” في ريف إدلب الشمالي الغربي.
ويسكن الدروز تاريخياً 18 قرية وبلدة في جبل السماق، وأهمها كفتين ومعارة الإخوان وقلب لوزة. وقرى الدروز متداخلة مع القرى التي يقطنها السُنّة في ريفي إدلب وحلب. وكان يبلغ تعداد الدروز في المنطقة حوالي 20 ألفاً في العام 2015، بقي منهم حالياً قرابة 10 ألف شخص، بحسب تقديرات المجالس المحلية في المنطقة.
وأقدم ذكر تاريخي للدروز في حلب وجبل السماق يعود إلى أكثر من 1000 عام، ومنه انطلقت الهجرات اللاحقة للدروز إلى لبنان والسويداء. واتسمت علاقة دروز جبل السماق بمحيطهم السني، بالوئام والهدوء، حتى بعد الثورة السورية 2011. ورفض أبناء المنطقة عرض النظام بتسليحهم والقتال معه. وعلى مدى سنوات استقبلت قرى الجبل النازحين من مختلف مناطق ادلب. وتعرضت قرى قلب لوزة وكوكو وتل الدوير وتل تيتا وكفتين، لقصف جوي متكرر نفذته طائرات النظام وروسيا. وغادر قسم من أبناء قرى الجبل نحو مناطق النظام في إدلب وحلب، وأغلبهم من الموظفين الحكوميين.
ومع ظهور تنظيم الدولة الإسلامية 2013-2014 تعرضت قرى الدروز لأعمال قتل وسرقة وخطف وترهيب، ما دفع العديد من السكان للنزوح إلى مناطق النظام. ومنذ العام 2015، هيمنت تحرير الشام على عموم إدلب، ومنها جبل السماق. في حزيران 2015، ارتكبت مجموعة من تحرير الشام، بقيادة أبو عبدالرحمن التونسي، مجزرة مروعة راح ضحيتها 30 مدنياً على الأقل في قرية قلب لوزة، ما تسبب بموجة نزوح جديدة عن المنطقة.
المجالس المحلية في قرى الدروز كانت قد أدارت جزءاً من أملاك الغائبين الدروز وسخّرت عائداتها لتحسين الخدمات البلدية. إلا أن تحرير الشام بدأت منذ منتصف العام 2017، بالاستحواذ على أملاك الدروز الغائبين، لإسكان عائلات عناصرها، والمُهجّرين قسراً من ريف دمشق وحمص. وبات المُهجّرون يشكلون نسبة كبيرة من سكان قرى الجبل حالياً. الاستحواذ شمل أيضاَ الأراضي الزراعية.
وتوحدت المجالس المحلية الـ18 لقرى جبل السماق في مجلس محلي موحد، بات يمثّلً من تبقى من الموحدين الدروز في المنطقة. ويلتقي أعضاء المجلس عادة مع مسؤولين في حكومة الإنقاذ، وعسكريين واداريين من تحرير الشام، لحل القضايا العالقة، ومنها الملكيات المصادرة. وقالت مصادر محلية لسيريا ريبورت، بإن عدداً كبيراً من التجاوزات والتعديات على الملكيات الخاصة في المنطقة يقوم بها نافذون من الهيئة، من دون علم قياداتهم. وفي كثير من الأحيان تمت استعادة الملكيات بعد التقدم بشكاوى بحق المسؤولين النافذين.
وتبرر تحرير الشام مصادرة أملاك الغائبين بالعموم، لأنهم يعملون في مؤسسات النظام الأمنية والعسكرية، وهو إجراء معمول به في مختلف مناطق إدلب، بحسب زعمها. سياسة الاستحواذ ومصادرة الملكيات بشكل رسمي بدأتها حكومة الإنقاذ التابعة لهيئة تحرير الشام، في إدلب، منذ مطلع العام 2020. وقسم كبير من إجراءات الاستحواذ والمصادرة يقوم بها إداريون في حكومة الإنقاذ، ونافذون في تحرير الشام، وتستهدف مباشرة أملاك موالين للنظام من أبناء بلداتهم في ريف إدلب.
ومع ذلك، تبدو عمليات مصادرة أملاك النازحين عن قرى جبل السماق غير منظمة حتى الآن، إذ لم تتدخل حكومة الإنقاذ رسمياً في الاستحواذ على الملكيات، ما يعيق فعلياً من نقل الملكيات وبيعها. وبذلك، يبقى شكل الاستثمار في العقارات المصادرة محدوداً. ويعود ذلك إلى طريقة التعامل الحذرة التي تمارسها تحرير الشام مع الأقلية الدرزية في المنطقة، منذ مجزرة قلب لوزة.