توقيف موظفين في محافظة دمشق بسبب مخالفات بناء
قبل حوالي ستة أشهر، وبتوجيه من محافظ دمشق السابق، أوقف فرع الأمن الجنائي بدمشق التابع لوزارة الداخلية، 25 موظفاً في محافظة دمشق بسبب شبهات بالفساد تتعلق بمخالفات بناء. وتشير المعلومات، إلى أن أحد أولئك الموظفين، قد قُتِلَ بعد توقيفه بسبب ظروف الاعتقال السيئة.
أولئك الموقوفون كانوا يعملون في دوائر الخدمات بمحافظة دمشق، والبلديات التابعة لها. ومديرية خدمات البلدية هي صاحبة الاختصاص في معالجة مخالفة البناء الواقعة في نطاق عملها. ومن مهام مديرية خدمات البلدية أيضاً منح إجازات السكن والاكساء للأبنية المرخصة، وتدقيق ضبوط مخالفات البناء، وحساب الرسوم والغرامات المترتبة نتيجة ضبوط مخالفات البناء القابلة للتسوية وإعداد القرارات المالية اللازمة.
عدد من الموقوفين هم مهندسون مكلفون بالتحري عن مخالفات البناء وضبطها. وقد اتهمهم المحافظ السابق بتسهيل مخالفات البناء والتغاضي عنها مقابل رشى. ومن بين الموقوفين على خلفية القضية ذاتها موظف في قسم الشؤون القانونية في المحافظة.
مصدر من محافظة دمشق، قال لمراسل سيريا ريبورت، بأن بعض الموقوفين قد تغاضوا بالفعل عن مخالفات بناء في العاصمة دمشق، مقابل رشى. وجميع المخالفات التي تغاضى عنها الموظفون صغيرة، بحسب المصدر، وتشمل إشغال الأرصفة لأعمال تجارية، وتعدي على الوجائب، وتغيير مواصفات البناء.
وبرر المصدر ذلك، بأن رواتب الموظفين الشهرية لا تتجاوز 150 ألف ليرة، في الوقت الذي تتفاقم فيه الأزمات المعيشية من غلاء الأسعار وفقدان المواد الغذائية ووسائل التدفئة والنقل، والانقطاع المستمر للكهرباء. ولذا، يضطر المواطن، بحسب تعبير المصدر، للبحث عن “بدائل”. وأضاف المصدر بأن الحكومة ترفض طلبات الموظفين بالاستقالة، وينطبق ذلك على جميع دوائر محافظة دمشق. وفي حال ألح موظف ما على الاستقالة، أو تغيّب عن العمل، يتم استدعاؤه لأحد الأجهزة الأمنية، واستجوابه، وهو ليس بالأمر الجيد، بحسب المصدر.
وتنتشر مخالفات البناء بشكل واسع في دمشق ومحيطها القريب، بسبب قلة المقاسم المسموح بالبناء عليها، وصعوبة الحصول على رخص البناء وارتفاع تكاليفها. ومعظم المخالفات في العاصمة تكون عبارة عن بناء طوابق اضافية، والتعدي على الأملاك العامة والخاصة. لا توجد إحصائية رسمية حول عدد مخالفات البناء في مدينة دمشق، ولكن تشير بعض التقديرات المتداولة إعلامياً إلى إشادة أكثر من 750 ألف مُخالفة بناء منذ العام 2012.
متعهد بناء، قال لمراسل سيريا ريبورت، أن رئيس بلدية على أطراف دمشق، عرض عليه بناء طابق إضافي بشكل مُخالف، في بناء حديث ومرخص. رئيس البلدية عرض على المتعهد مبلغ 30 مليون ليرة، تشمل حصته وحصصاً أخرى يوزعها “بمعرفته” على ضباط الأمن والشرطة في المنطقة، ليتم التغاضي عن المخالفة بشكل كامل.
في المقابل، يبحث موظفو البلدية المكلفين ضبط مخالفات البناء، عن أي مخالفة مهما كانت صغيرة، حتى ولو كانت تجاوزاً صغيراً على نظام ضابطة البناء. وتُحددُ ضابطة البناء نسبة المساحة المسموح بالبناء عليها من مساحة مقسم ما، وارتفاع الطوابق، والمسافات بين الأبنية، وغيرها. وتُصدِرُ كل وحدة إدارية نظام ضابطة بناء خاص بها وفق معايير المخطط التنظيمي للمنطقة، وبالاستناد إلى قوانين التنظيم العمرانية.
ويعرقل أولئك الموظفون تسوية وضع المخالفات المضبوطة، بغرض ابتزاز أصحاب العقارات التي ارتكبت المخالفة فيها. مصدر مطلع في محافظة دمشق، أكد بأن تسوية مخالفة بناء، رغم أن المرسوم التشريعي رقم 40 للعام 2012 الخاص بمخالفات البناء قد أجازها، قد أصبحت أمراً صعباً للغاية إذا لم يدفع المُخالف رشوة للموظفين. إذ تحتاج معاملة التسوية في الحالة العادية أعواماً لإنجازها، من عرض على اللجان المختلفة، وتعديل مواصفات العقار، ودفع الرسوم، وتثبيت المخالفة على الصحيفة العقارية للعقار.
مصادر سيريا ريبورت أشارت إلى أن المحافظ السابق، تجاوز في قضية توقيف الموظفين الـ25، الأعراف في محافظة دمشق. في حالات مماثلة سابقة، كان يتم تحويل الموظفين المتهمين بالفساد، إلى دائرة الرقابة الداخلية التابعة للمحافظة، حيث يخضعون للتحقيق الإداري، ويتم إيقافهم عن العمل لحين البت في التهم الموجهة إليهم. وعند إثبات التهم، توجّه لهم عقوبات مسلكية إدارية، بما فيها وقف الترفيعات والترقيات، وتحويلهم لمناصب إدارية هامشية. في حالات قليلة جداً تم تحويل الموظفين المتهمين بالفساد، إلى القضاء.
توقيف الموظفين، وزجهم في السجن، فيتم في حالات خاصة؛ كالمسؤولية أو التغاضي عن مخالفة بناء أدت إلى انهيار المبنى كلياً أو جزئياً، وتسببت في موت أشخاص. حينها يتم اعتقال رئيس البلدية ومهندسيها فوراً وتحويلهم إلى القضاء المدني، بموجب المرسوم 40 لعام 2012. وهذا ما لا ينطبق على حالة موظفي محافظة دمشق الموقوفين منذ 6 شهور بلا محاكمة. إذ لك يُعرض هؤلاء لحد اليوم على القضاء، ولم يسمح لهم بمقابلة محامين، أو ذويهم، ولا يُعرف مكان توقيفهم.