توريث النساء الإسماعيليات: لا تعاليم مذهبية ولكن قوة العرف الاجتماعي
لا تلقى قصص توريث النساء الاسماعيليات، اهتماماً كبيراً، نظراً إلى عدم وجود تعليمات دينية لدى الطائفة الإسماعيلية حول توريث النساء، لا سلباً ولا ايجاباً. ولذا، فإن توريثهن غالباً ما يكون رهناً بالعُرف الاجتماعي، وبالتالي يبقى استنسابياً مرتبطاً بالعائلات، وبالحالات الفردية، ومستوى التقبل أو الرفض الاجتماعي.
والاسماعيليون مثل العلويين، ليس لهم قوانين أحوال مذهبية خاصة، على عكس الدروز والمسيحيين. وبذلك، تخضع أحكام الميراث للطائفة الاسماعيلية، رسمياً، إلى قانون الأحوال الشخصية رقم 59 لعام 1953، وتعديلاته، وهو المستند إلى الشريعة الإسلامية. ولكن، عملياً، يبدو العرف الاجتماعي أكثر قوة في التأثير على حقوق النساء الاسماعيليات في الميراث.
في مدينة السلمية ذات الغالبية الإسماعيلية في محافظة حماة، التقت مراسلة سيريا ريبورت مجموعة من النساء، ونقلت لنا بعض قصصهن مع الميراث. هذه القصص لا تعكس كامل الوضع في السلمية، إذ أن حالات معاكسة كثيرة يمكن ذكرها.
سلمى، امرأة أربعينية، عاشت لسنوات طويلة في دولة خليجية، مع ابنتها وزوجها، وهو ابن عمتها أيضاً في الوقت ذاته. وقد اضطرت سلمى، أن تعود مؤخراً إلى السلمية مع ابنتها، بعدما توفي زوجها الشاب في حادث عمل. تقول سلمى لمراسلة سيريا ريبورت، أنها لم ترث شيئاً من زوجها، وكذلك ابنتهما لم تحصل على حصتها من ورثة والدها. تضيف سلمى، بأن شقيق زوجها، وهو يقيم أيضاً في ذات الدولة الخليجية، قد ضغط عليها لإجراء وكالة عامة له. وبمجرد إنجاز الوكالة، ضغط عليها مجدداً للعودة إلى سوريا مع ابنتها.
سلمى وابنتها سكنتا في منزل ذويها في السلمية، بداية الأمر. وعندما قررت الانتقال إلى منزل كان يملكه زوجها الراحل، رفض ذووها ذلك بذريعة “أنني امرأة ويجب ألا أسكن لوحدي، وأنني أحتاج الى رعاية”.
ولأن زوجها الراحل هو ابن عمتها أيضاً، فقد باتت سلمى وحيدة بالكامل في مواجهة عائلتها. تقول: “دخلت في صراع كبير مع عائلتي، واضطررت أن أوكل محامي، والسعي عبر وساطات لتحصيل حقي وحق ابنتي”. المشكلة أن عمتها، والدة زوجها، كانت الأكثر تصلباً في رفض منح سلمى حصتها في الإرث. وبحسب سلمى، فقد قالت عمتها لها: “لو كان لديك ابن ذكر لتغيرت الأوضاع، ولكن في حالتك هذه لن تحصلي على شيء”.
سلمى متأكدة أنها ستحصل في النهاية، على جزء ولو كان صغيراً، من حصتها عبر المحكمة، إذ أن العائلة ستشاركها الميراث. تضيف سلمى: أعرف أنني “سآخذ من الجمل أذنه”، ولكنها تقول إنها لن تفرط بحقها وحق ابنتها.
من جانب آخر، تحدثت مراسلة سيريا ريبورت مع ردينة، وهي أم لابنة واحدة، وأرملة قُتِلَ زوجها في العام 2018، أثناء مشاركته القتال في صفوف مليشيا الدفاع الوطني الموالية للنظام في السلمية. ولم تحصل ردينة على تعويض من الدفاع الوطني، سوى بعض السلال الغذائية.
وكانت ردينة تعيش في منزل وَرِثَهُ زوجها عن أهله. ولكن، وبعد شهرين من مقتل زوجها، طلب منها حموها “والد زوجها” أن تترك المنزل وتذهب مع ابنتها للعيش مع ذويها. وتذرع الحمو بأن المنزل ليس ملكاً لزوجها لوحده، بل بات يُشاركها فيه بعد مقتله أشقاء زوجها الذكور. الحمو قال بأن أحد أشقاء زوجها يريد الزواج، وليس لديه مكان آخر يسكن فيه غير هذا المنزل، وأضاف أنه “ليس من الجيد العيش مع أخ زوجك وزوجته الجديدة”. وهكذا، نجحت عائلة الزوج الراحل في الضغط على ردينة حتى قبلت بالانتقال إلى منزل ذويها، الذي تعيش فيه أمها فقط. وقدّم الحمو وعداً لردينة، بأنه إذا ما باع منزل زوجها الراحل سيعطيها حصتها وحصة ابنتها.
ردينة، تخاف اليوم، في حال وفاة والدتها، الكبيرة في العمر، أن تتشرد مجدداً وتخسر أيضاً حقها وحق ابنتها في السكن في منزل أمها، إذا ما قرر اخوتها الذكور تقاسم الحصص فيه.
القصة الأخيرة التي عاينتها مراسلة سيريا ريبورت، كانت لثلاث أخوات من السلمية. الوالد كان قد أوصى بأن ترث بناته الثلاث منزله في وسط مدينة السلمية. بينما لم يخص الوالد أولاده الذكور بحصة من الميراث، لأن أوضاعهم المادية جيدة جداً، ولدى كل منهم أكثر من منزل.
ولكن، وبعد وفاة الوالد المتقدم في العمر في العام 2004، أقدم الأخ الأكبر على هدم المنزل من دون موافقة الورثة البنات، وقام بإنشاء بناء متعدد الطوابق مكانه، وأعطى شققاً لبقية الأخوة الذكور، بينما أعطى لكل من الأخوات البنات مبلغ 200 ألف ليرة. وأثار ذلك غضباً شديداً من الأخوات البنات اللاتي قاطعن الأخ الأكبر منذ ذلك الحين.
تقول منيرة، إحدى الأخوات، بأنهن يتحمّلن جزءاً من المسؤولية لأنهن لم يطالبن بحقهن في المحكمة، بسبب الخجل، وبسبب المنظور الاجتماعي الخاطئ الذي يعتبر أنه من المعيب الاختلاف على الإرث.