تنازل النساء بالإكراه عن أملاكهن
في بعض الحالات تواجه النساء ما يفوق التهميش لحقوقهن في السكن، الأرض والملكية، إلى حدّ يصل إلى تهديدهنّ نفسياً وجسدياً للتنازل عن ملكياتهن.
مثلاً، عفراء فتاة أربعينية، موظّفة في إحدى المؤسسات التعليمية الحكومية، تعيش في منزل والدها المكون من طابقين تحيط به أرض مساحتها نصف هكتار، في إحدى قرى ريف اللاذقية الشمالي.
في العام 2012 توفيت والدة عفراء، وبقي والدها أسير الفراش للسنوات العشر التالية مصابا بالشلل النصفي. عفراء، وحدها من بين أخوتها الذكور وأختها المتزوجة، قامت برعاية والدها طيلة فترة مرضه حتى وفاته مؤخراً.
الأب، وقبل وفاته، وكتعبير عن ردّ الجميل والعرفان، وهب المنزل والأرض حوله، فقط لابنته عفراء، من دون علم بقية الأخوة. أيضاً وهب الأب، بقية أبناءه، باستثناء عفراء، منزلاً كان يملكه في مدينة اللاذقية وأرضاً زراعية.
وعندما عرف بقية الأخوة بما حدث، بمن فيهم الأخت المتزوجة، ثارت ثائرتهم على عفراء، واتهموها بالتلاعب بالأب المريض قبل وفاته، لتستأثر بمنزل القرية. وفجأة، انتقل الأخ الكبير للسكن في منزل القرية مع عفراء، رغماً عنها. وطالبها بالتنازل عن ملكية المنزل، مقابل الاحتفاظ بحق الانتفاع به فقط طيلة حياتها. وعندما رفضت عفراء، قام الأخ باحتجازها في مستودع ضمن المنزل للأدوات الزراعية، ومنعها من الذهاب إلى عملها، وأخذ منها هاتفها الخليوي ومنعها من التواصل مع أحد. خلال احتجازها تعرضت عفراء للضرب المبرح وحُرمت لفترات من الطعام.
غياب عفراء غير المبرر عن العمل أثار قلق زملائها. ورغم محاولتهم السؤال عنها، وزيارة منزلها في القرية، لم يصلوا إلى أي نتيجة مع ادعاء أخيها بعدم معرفة مكانها. وبعد شهر، أبلغ أحد زملاء عفراء الشرطة عن اختفائها، وقدم شكوى بحق الأخ. الشرطة داهمت منزل الأخ في مدينة اللاذقية، ومن ثم منزل القرية حيث وُجِدَت عفراء محتجزة في المستودع وآثار العنف بادية عليها.
الملفت أن عفراء لم تتقدم بشكوى أمام الشرطة ضد أخوها، من شدة خوفها منه. وبعد ذلك، تنازلت عن ملكية العقار له، مقابل إعطائها الحق بالانتفاع به. تقول عفراء لمراسلة سيريا ريبورت إنها تعرضت للرعب والترهيب، ولم تعد ترغب إلا بالعيش بسلام فقط، مستغنية عن حقوقها. أشارت عفراء إلى أن حقها بملكية العقار كادت تتسبب بخسارتها لحياتها.
أيضاً وفي قصة مشابهة، سامية امرأة أربعينية، من ريف حماة، متزوجة من ضابط في الجيش، ولديهما ثلاث بنات. الزوج، سجّل في العام 2012 المنزل باسم سامية، تحسباً لاحتمال مقتله خلال مجريات القتال، وبالتالي حرصاً منه على أن لا يصبح إخوته في عداد ورثته إذا ما مات. وإذا أصبح الأخوة ورثة، سيصبح لهم حصة في المنزل ينازعون بها زوجته وبناته.
الحرب انتهت في سوريا، والزوج ظل حياً. لكنه، قرر الزواج من امرأة أخرى، بسبب رغبته بالحصول على ولد ذكر. وطلب الزوج من سامية إعادة ملكية المنزل له، وهنا بدأت المشكلة.
إذ حاول الزوج الضغط على سامية اجتماعياً، وأرسل رجل دين ليقنعها بأن من حق الزوج استعادة ملكية المنزل. وتقول سامية، لمراسلة سيريا ريبورت، بأن زوجها حاز على تأييد وسطهم الاجتماعي، إذ ليس شائعاً أن يمنح الزوج منزلاً لزوجته في منطقتهم. لا بل ضغط عليه كثير من الأقارب لاستعادة ملكه للعقار، والتزوج ثانية، والاسراع بإنجاب طفل ذكر “يحمل اسمه”.
سامية حاولت إقناع زوجها بأن يبني طابقاً اضافياً فوق المنزل، بشكل مخالف، ويسكن فيه مع زوجته الجديدة، على أن يبقى المنزل الأصلي من حق البنات. الزوج رفض الحل، وتصاعدت حدة الأزمة مع سامية التي تعرضت وبشكل متواصل منذ ذلك الوقت للضرب المبرح، هي والبنات.
وما زاد مستوى الخوف لدى سامية، أن الزوج الضابط، يحتفظ في غرفة النوم بمجموعة من المسدسات والأسلحة الآلية الرشاشة، والقنابل. وهنا بدأ الكابوس، عندما احتجز الزوج سامية والبنات، في غرفة النوم، وهددهم برمي قنبلة يدوية عليهنّ، بحضور المحامي الذي جلب معه عقد بيع للعقار، يجب على سامية أن توقع عليه. وهذا ما حصل.