تمديد التمديد الحكمي: خطأ في تاريخ الإصدار أم تناقض مصالح؟
يبدو أن مشكلة قانونية قد رافقت إصدار المرسوم التشريعي رقم 38 لعام 2020 قد تخفي بدورها صراعاً داخلياً ضمن أروقة السلطة السورية. ونصّ المرسوم 38\2020 على التمديد العمل بنظام التمديد الحكمي للعقارات المُستأجرة من قبل الجهات العامة والسياسية، لمدة عامين إضافيين.
والتمديد الحكمي، هو تمديد عقد الإيجار حكماً، بغض النظر عن رغبة وإرادة المؤجّر، والذي غالباً ما يهدر حقوق المؤجّر ويناقض المبدأ القانوني “العقد شريعة المتعاقدين” الذي نصّت عليه المادة 148 من القانون المدني السوري. قانون الإيجار 20 لعام 2015، كان قد أخضع أي تأجير جديد للعقارات للجهات العامة والسياسية لإرادة المتعاقدين، لكن لا يسري ذلك على العقارات المؤجرة قبل العام 2006 والتي تبقى خاضعة لأحكام التمديد الحكمي. ويعود ذلك إلى قانون الإيجار الأسبق رقم 10 لعام 2006.
في حين يخضع تأجير الأملاك العامة لقانون الاستثمار 106 لعام 1958 الذي يتيح إخلاء شاغليها، وتعديل بدلات استثمارها وفق الأسعار الرائجة.
قانون الايجار رقم 20 لعام 2015، كان قد حدد مطلع كانون الثاني 2018، لإنهاء العمل بالتمديد الحكمي للجهات العامة والهيئات السياسية. وقالت المادة 12 من القانون 20\2015، أنه يحق لمالك العقار المُؤجَّرِ للأحزاب السياسية أو الجهات العامة أو البلديات أو لمؤسسات القطاع العام والمشترك أو للمنظمات الشعبية أو النقابات على مختلف مستوياتها أو الجمعيات، اعتباراً من 1/1/2018، طلب إنهاء العلاقة الإيجارية واسترداد العقار المأجور المشمول بأحكام التمديد القانوني، مقابل التعويض على الجهة المُستأجرة، بمبلغ يعادل نسبة 40% من قيمة العقار المأجور شاغراً وبوضعه الراهن بتاريخ الكشف والخبرة على المأجور من قبل المحكمة على أن يراعى في التقدير قيمة العقار في السوق التجارية وهو شاغر غير مؤجر شاملا ذلك قيمة كافة عناصره المادية والمعنوية وما يصيبه من قيمة الأرض وما له من حقوق وما عليه من ارتفاقات.
لكن، قبل نهاية المهلة، صدر القانون 42 لعام 2017، لتمديد المهلة 3 سنوات إضافية انتهت في 1 كانون الثاني 2021. ولذا، صدر المرسوم 38\2020، الذي يحمل تاريخ 31 كانون الأول 2020، لتمديد المهلة مجدداً لعامين.
لكن، فعلياً، لم ينشر المرسوم التشريعي 38\2021 إلا في الجزء الثاني من العدد الثاني لعام 2021 من الجريدة الرسمية الصادر بتاريخ 13 كانون الثاني 2021. أي، بعد اسبوعين تقريباً على نهاية العمل بالقانون 42\2017، وبالتالي نهاية العمل بالتمديد الحكمي.
وخلال هذين الأسبوعين من عدم سريان أحكام التمديد الحكمي، رُفِعَت قضيتان، على الأقل، لفسخ عقود إيجارية مع هيئات رسمية، بحسب مصادر حقوقية تحدثت لسيريا ريبورت. وإذ تحفظت المصادر عن ذكر تفاصيل القضايا المرفوعة، فإنها أشارت إلى أن المرسوم 38\2021 لم يصدر بتاريخ 31 كانون الأول 2020، كما هو مذكور في نص القانون، بل صدر فعلياً بعد رفع الدعوتين. وبحسب المصادر المطلعة، فقد حمل المرسوم 38\2020 تاريخاً سابقاً على صدروه الحقيقي، في محاولة لتغطية الثغرة الزمنية التي أعقبت نهاية المهلة السابقة. وهذا، ما يبرر تأخر نشر المرسوم 38\2020 لأسبوعين بعد صدوره.
وتشير مصادر سيريا ريبورت الحقوقية إلى أن ما حدث ليس بالخطأ الناتج عن غفلان المشرّع (رئيس الجمهورية) عن انتهاء مفاعيل القانون 42\2017، بل بنزاع داخلي ضمن أجنحة السلطة على موضوع حساس يتعلق بعقارات يستأجرها القطاع العام والجهات السياسية منذ عشرات السنين.
وهذه الأملاك، باتت بحكم الميتة بالنسبة لأصحابها، الذين مات جزء كبير منهم، وانتقلت الملكية إلى ورثتهم اسمياً. ولا يتقاضى أولئك الورثة سوى مبالغ هزيلة للغاية، كإيجار لعقارات كثير منها يقع في أهم المراكز الحيوية للمدن الكبرى. ولذا، لا يبدو أن أصحاب تلك العقارات هم وراء الضغط لاطلاق سراحها من سجن التمديد الحكمي، بل تجار عقارات ورجال أعمال يرون أن الفرصة قد تكون متاحة لشراء تلك العقارات بأسعار رخيصة.
إذ أن طلب أصحاب العقارات انهاء العلاقة الايجارية يتطلب منهم تعويض الجهة المُستأجرة بنسبة 40% من قيمة العقار. ولا يبدو أن هناك الكثير من المؤجرين القادرين على دفع هذه النسبة لاخلاء المُستأجرين. وهنا، يمكن دخول رجال الأعمال كوسطاء، يتمكنون من انهاء العلاقة الإيجارية بين الطرفين مقابل شراء العقار، عبر دفع 40% للجهة المُستأجرة و60% للجهة المؤجرة. وذلك، سيتيح لرجال الأعمال الحصول على أهم العقارات في أبرز المواقع المدينية، بأسعار زهيدة متفاوض عليها.
لذا، يبدو الصراع حالياً بين هذه الشرائح من التجار ورجال الأعمال، وبين الجهات الرسمية والحزبية المُستفيدة من الاستئجار بمبالغ هزيلة بالاستناد إلى التمديد الحكمي. وهذا ما انعكس على عملية التأخر بإصدار المرسوم 38\2020. ويبدو أن الجولة الراهنة قد انحسمت لصالح الجهات الرسمية والحزبية، ومن في حكمهما. إذ قد تعجز تلك الجهات عن شراء العقارات التي تستأجرها، وبالتالي دفع 60% من قيمها الحقيقية لأصحابها. وبالعكس، في حال تم اخلاء تلك الجهات، ودفع 40% من قيمة العقار لها، فقد تعجز عن تأمين مقرات جديدة لها بنفس الشروط السابقة، في ظل الارتفاع الكبير لأسعار العقارات داخل المدن. هذا، عدا عن التداعيات المعنوية المترتبة على تغيير عناوين المقرات الرئيسية لتلك الجهات العامة والسياسية.