تريند: المزادات العلنية لاستثمار أراضي المعارضين
عُقِدَت خلال العام 2020 ثلاث جولات من المزادات العلنية لاستثمار أراضي النازحين عن أرياف حماة وإدلب وحلب؛ الأولى لاستثمار محصول الفستق الحلبي، والثانية لقطاف الزيتون، والثالثة لزراعة القمح. ونظّمت تلك المزادات اللجان الأمنية والعسكرية في تلك المحافظات، عبر الروابط الفلاحية.
إعلان عن مزاد
المصدر: حسابات ناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي
قوات النظام كانت قد سيطرت بين آب 2019 وآذار 2020 على نحو 230 ألف هكتار من الأراضي الزراعية في ريفي حماة وإدلب ونحو 350 هكتاراً في ريف حلب. ونزحت نسبة كبيرة من أصحاب تلك الأراضي نحو مناطق المعارضة شمالي حلب وإدلب.
ومنذ نهاية العام 2019، صدرت عن رؤساء اللجان الأمنية تعليمات لإحصاء الأراضي الزراعية التي يقيم أصحابها في “مناطق الإرهابيين” خارج مناطق سيطرة الدولة السورية. ومنذ منتصف العام 2020 تم إجراء مزادات علنية لاستثمار بعض تلك الأراضي الزراعية. وشمل ذلك الأراضي الزراعية في 38 قرية وبلدة ومزرعة في حماة، و70 بلدة ومزرعة في إدلب، و11 قرية في حلب. وأجريت المزادات في مقرات الروابط الفلاحية والمراكز الثقافية، وغالباً ما اشترط على الفائزين فيها استثمار أو زراعة المحصول لموسم واحد.
بعض المزادات لاستثمار الأراضي بزراعة القمح، والتي أجريت في تشرين ثاني 2020، أدرجت تحت بند تحصيل الديون للمصرف الزراعي، من دون تحديد أعداد المديونين ولا مقدار ديونهم. في حين أن المزادات التي عقدت بين تموز وحزيران 2020 لقطاف الفستق الحلبي، عاد ريعها لصالح صندوق دعم الشهداء التابع للمكتب الفرعي للهيئة المركزية لدعم ومتابعة أوضاع أسر الشهداء في محافظة حماة، والتابع بدوره لفرع حزب البعث في حماة.
تحصيل الأموال والبحث عن تمويل جديد، أو التوجه لفرض زراعة القمح ضمن التوجه الحكومي لمواجهة أزمة الخبز في سوريا، تبدو أسباباً منطقية من وجهة نظر الحكومة وراء المزادات العلنية. إلا أن تلك المزادات أثارت مخاوفاً كبيرة لدى النازحين من إمكانية مصادرة أملاكهم لاحقاً. إذ أوردت مواقع إعلامية معارضة أنباءً بأن النظام بدأ فعلياً بمصادرة تلك الأراضي باعتبار أصحابها من “الإرهابيين”، وذلك بموجب أحكام قانون مكافحة الإرهاب رقم 19 لعام 2012. ولكن، لم تتمكن سيريا ريبورت من التثبت من صحة تلك الأنباء. إذ أنه بحسب متابعتنا، لم يصدر لحد اللحظة أي حكم قضائي بهذا الخصوص عن محكمة الإرهاب. كما لم تصدر أي مهمة قضائية لبيع أملاك المحكوم عليهم وفقا لأحكام قانون أصول المحاكمات المدنية السوري رقم 1 لعام 2016.
لذا، يبدو أن الخطر الأبرز من المزادات العلنية واستثمار أراضي النازحين، يتمثّلُ بانتهاك حقوق الاستعمال والاستغلال والتصرف التي يضمنها الدستور والتشريع السوري للمالك. إذ نصّت المادة 768 من القانون المدني، على أن “لمالك الشيء وحده في حدود القانون حق استعماله واستغلاله والتصرف فيه”، في حين أن المادة 770 نصّت على أن “لمالك الشيء الحق في كل ثماره ومنتجاته وملحقاته ما لم يوجد نص أو اتفاق يخالف ذلك”.
انتهاك حقوق الاستعمال والاستغلال والتصرف قد يتبعه اسقاط حق الملكية بحد ذاته في الظرفين التاليين: يسقط حق الملكية في حال عدم الاستعمال للأراضي الموزعة من قبل الدولة بموجب قانون الإصلاح الزراعي. كما يمكن أن يسقط حق التصرف في العقارات الأميرية إذا لم تحرث لمدة خمس سنوات متعاقبة بحسب القانون المدني.
لذا، ومن باب التحليل، قد يكون المحرك الرئيسي وراء التوجه الحكومي الحالي لاستثمار أراضي النازحين هو الرغبة بتحويل المستثمرين الحاليين للأراضي إلى حائزين عليها. إذ تتطلب الحيازة من الحائز؛ وضع اليد على العقار، والقيام بأعمال مادية كزراعته إذا كان العقار أرضاً زراعية، وتوفر النية لديه باستعمال العقار والظهور بمظهر المالك. إلا أن هذه الخطوة قد تواجه بمعضلة قانونية يعتبر فيها المستثمر الحالي للأرض بحكم الغاصب، لأن وضع اليد قد تم دون وجود مستند شرعي للحيازة، وبالإكراه دون وجود المالك الذي اضطر إلى النزوح قسراً عن أرضه.