انهيار بناء مخالف في حي المالكي وسط دمشق يتحول إلى قضية أمنية
يبدو أن تداعيات حادثة انهيار شرفات بناء في حي المالكي التابع لبلدية المهاجرين بمدينة دمشق، ما زالت تتفاعل، وسط انتقالها من قضية مخالفة بناء، إلى قضية أمنية. ويعود ذلك إلى حساسية المنطقة المجاورة للمربع الأمني الذي فيه سكن ومكاتب الرئيس السوري وعائلته، وأفراد حمايته الشخصية.
مصادر في محافظة دمشق، كانت قد قالت لسيريا ريبورت إن شرفات بناء ياسين الطباع المطل على ساحة عدنان المالكي، قد انهارت في 11 أيلول الماضي. وهذا الانهيار الجزئي للمبنى جاء نتيجة أعمال حفر وتفريغ تحته، غير مرخصة، لتوسيع الأقبية. وكان يجب تدعيم تلك الأقبية، وهذا ما لم يحدث، ما تسبب بتداعي عامودين خرسانيين كانا يتوزعان حمولة الشرفات، وحدوث انهيار جزئي.
ويملك الطابق الأرضي في البناء رجل الأعمال السوري وسيم القطان، وقد تمت عملية توسعة الأقبية لصالحه. والسيد قطان عضو غرفة تجارة ريف دمشق، ومدرج على لائحة العقوبات الأميركية والأوروبية منذ العام 2020، لدوره في دعم النظام. بحكم علاقاته ونفوذه، حصل قطان على رخصة ترميم للطابق الأرضي من المبنى، واستغلها بشكل غير قانوني، لإدخال كميات كبيرة من مواد البناء وإخراج الردميات من الموقع، وتنفيذ أعمال توسعة للأقبية وتحويلها إلى شقق سكنية. ويعتبر قانون مخالفات البناء رقم 40 لعام 2012، أي تجاوز للرخصة الممنوحة مخالفة بناء. تنفيذ أعمال التوسع جرت بشكل غير مدروس هندسياً، ومن دون الحصول على رخصة تدعيم مسبقة.
مصادر سيريا ريبورت أشارت إلى أن السيد قطان، قد غادر سوريا مباشرة بعد الحادثة خوفاً من الاعتقال، وهو يحاول التواصل مع قيادات أمنية لحل القضية. لكن، يبدو ذلك صعباً، إذ تعتبر القيادة الأمنية للنظام ما جرى خرقاً أمنياً، أكثر مما هو مخالفة للترخيص. وقد تسبب ذلك باعتقال العشرات من عناصر الحماية الأمنية للرئيس السوري. وما زالت الملاحقات الأمنية تتواصل للمسؤولين عن مخالفة البناء، وسط اعتقال وتوقيف والتحقيق مع موظفين ومسؤولين في محافظة دمشق، ومهندسين لهم علاقة بالموضوع. ويتولى المتابعة الأمنية قسم شرطة الأربعين، التابع بدوره لفرع الأمن السياسي في وزارة الداخلية، والمسؤول عن حماية المربع الأمني.
وبحسب مراسل سيريا ريبورت في دمشق، فقد تم الافراج عن نائب رئيس المكتب التنفيذي لمحافظة دمشق، ومسؤولين كبار آخرين، بعد تدخل المحافظ شخصياً. لكن، يبدو بأن توقيف مدير دوائر الخدمات في محافظة دمشق سيطول، مع قيام المكتب التنفيذي في محافظة دمشق بتكليف بديل عنه. كما يستمر توقيف رئيسة بلدية المهاجرين. وتقسم محافظة دمشق إلى 16 منطقة لكل منها وضع بلدية، ومن ضمنها المدينة القديمة. وتدار كل بلدية من قبل رئيس بلدية معين بقرار من المحافظ.
وقد جرى أيضاً توقيف المهندس المشرف على أعمال رخصة الترميم، وأعضاء نقابة المهندسين الذين صادقوا على الرخصة، ومهندس المنطقة. الملفت أن مهندس المنطقة ما زال موقوفاً رغم الأحاديث التي تؤكد أنه كان ممنوعاً من دخول المشروع والكشف على الأعمال الهندسية فيه كما تقتضي وظيفته. ويتبع لرئيس كل بلدية في دمشق مهندسان، أحدهما رئيس دائرة الخدمات والثاني يسمى مهندس المنطقة، ويعينهما المحافظ أيضاً. ويتم تدوير المهندسين على البلديات المختلفة، بحيث لا يبقى مهندس في موقعه أكثر من ثلاثة أشهر. وهؤلاء المهندسون هم موظفون لدى محافظة دمشق.
وتُصدرُ مديرية التنظيم والتخطيط المعماري في محافظة دمشق رخصة الترميم، واسمها الرسمي رخصة التدعيم وإعادة البناء الجزئي. ونخضع الرخصة لكثير من التدقيق، إذ تصادق عليها دائرة الخدمات المعينة في المحافظة، ودائرة التنظيم والتخطيط العمراني، قسم الشرطة في المنطقة، ونقابة المهندسين، ومهندس الإشراف والتنفيذ. بينما يُشرف على عملية الترميم، مهندس المنطقة ومهندس الخدمات في القطاع البلدي الذي يتبع له العقار. ويقوم قسم الشرطة في المنطقة بزيارة الموقع لمتابعة الترميم، وله سلطة وقف العمل فوراً في حال اكتشاف مخالفة بناء وضبط المخالفين.
في العادة لا يعمل بهذه الاجراءات بصرامة بل غالباً ما تكون فريسة للفساد الإداري. ولكن، بسبب حساسية المنطقة أمنياً، كان يفترض متابعة تلك الإجراءات بجدية.
ولذا، يبدو واضحاً أن سبب الاستياء الأمني، هو حدوث مخالفة بناء، في منطقة شديدة الحساسية الأمنية، رغم كل التدقيق الأمني والهندسي المفروضين على أعمال البناء. وتشير مصادر سيريا ريبورت إلى أن رخصة الترميم منحت لوسيم القطان، من دون رخصة تدعيم. وبحكم نفوذه، سمح لقطان بإدخال كميات زائدة من مواد البناء، لا تتوافق مع حجم الأعمال المقررة في رخصة الترميم.
مراسل سيريا ريبورت، يشير إلى أن تتبع هرمية المسؤولية في إصدار رخصة الترميم، ستصل حتماً إلى محافظ دمشق نفسه، وقد تتسبب بإعفائه وربما اعتقاله، مع مسؤولين كبار في المحافظة.
وكان أعضاء مجلس محافظة دمشق، قد وافقوا بالإجماع على إلغاء عضوية ملك حمشو، عضو قطاع الخدمات في المكتب التنفيذي لمجلس المحافظة، في جلسة عقدت أواسط أكتوبر. وتقدم 82 عضواً من أعضاء المجلس الـ100 بطلبات خطية لإلغاء عضوية حمشو، على خلفية حادثة انهيار شرفات مبنى الطباع. والأعضاء الـ82 هم كتلة حزب البعث الحاكم، وبضعة أعضاء مستقلين. ملك حمشو هي نائب مدير دوائر الخدمات في محافظة دمشق، ومن أهم المطلعين على القوانين والاجراءات الادارية والهندسية، والمعروف عنها تشددها في تطبيق القوانين. وليس مفهوماً سبب هذا الإجماع على إلغاء عضوية حمشو، وما علاقتها المباشرة بقضية انهيار الشرفات.
وتشهد أروقة المحافظة ودوائر الخدمات التابعة لها، توتراً وخوفاً بين الموظفين، من الاعتقال والتوقيف التعسفي خارج إطار القانون. إذ غالباً ما يستمر توقيف الموظفين، في القضايا ذات الحساسية الأمنية، لفترات طويلة دون تقديمهم للقضاء. ويضطر أهالي الموقوفين لدفع مبالغ طائلة ورشاوي كبيرة لمسؤولين أمنيين لتحسين ظروف اعتقال أبنائهم، بينما يحتاجون لمبالغ أكبر بكثير لإنهاء التحقيق، والعرض على القضاء.
من جهة أخرى، تنتشر الوشايات الكيدية بين مسؤولين كبار في محافظة دمشق، ضمن تصفية حسابات بينهم. ويحاول العديد من الموظفين الاستقالة، في ظل الخوف من الوشايات، خاصة وأن الرواتب هزيلة لا تكفي أجور المواصلات. إلا أن محافظة دمشق ترفض استقالات الموظفين، ويبدو أنها أحالت بعضهم للتحقيق الإداري والأمني على خلفية الإلحاح في تقديم الاستقالة.