!الموافقة الأمنية على وكالة الغائب: إغلاق نافذة أخيرة
أصدرت وزارة العدل في 15 أيلول، تعميماً يخصّ إصدار الوكالة القضائية لإدارة أموال الغائب أو المفقود. وقيّد التعميم إصدار هذه الوكالة بشرط الحصول المسبق على الموافقة الأمنية اللازمة أسوةً ببقية أنواع الوكالات.
التعميم الجديد رقم 30/2021، أرجع اشتراط الحصول على الموافقة الأمنية لاستخراج الوكالة القضائية لإدارة أموال الغائب أو المفقود، لما قال إنه كثرة إصدار هذا النوع من الوكالات مؤخراً. وبرر التعميم ذلك، باحتمال أن يكون الغائب أو المفقود ميتاً، أو ملاحقاً بجرائم خطيرة. التعميم قال بوجود حالات استغل فيها الوكلاء أموال الغائب أو المفقود وتصرفوا بها بما يضر مصالحه.
وعقب ذلك، أصدر وزير العدل، في 20 أيلول، قراراً حمل الرقم 3003 ل، وتضمن نقلاً وانتداباً لقضاة من المحاكم الشرعية الأولى والثانية بدمشق، وتعيين غيرهم. وأشار مصدر حقوقي لسيريا ريبورت، إلى أن هذه المناقلات جاءت بعدما اعترض القضاة الشرعيون على اضافة الموافقة الأمنية شرطاً للحصول على الوكالة القضائية لإدارة أموال الغائب والمفقود. وأشار المصدر إلى وجود رفض واسع عمّ الأوساط القضائية نتيجة زجّ السلطات التنفيذية تلك الموافقة الأمنية، في قضية شرعية، ما يمثّل مخالفة قانونية صريحة.
والمحكمة الشرعية معنية بقضايا الأحوال الشخصية، ولها اختصاص عام يشمل جميع السوريين على اختلاف مذاهبهم في قضايا الولاية والوصاية وإثبات الوفاة والمفقود، واختصاص خاص يشمل المسلمين في قضايا الزواج وانحلاله والنفقة بين الزوجين.
النظام كان قد اشترط خلال سنوات الماضية الحصول على موافقة أمنية مسبقة لاستخراج معظم الوكالات القانونية ومنها وكالة الكاتب بالعدل غير القابلة للعزل. ويبدو أن تقييد استخدام الوكالة القانونية، يستهدف التحكم بطريقة تصرّف المُهجّرين قسراً والنازحين واللاجئين خارج البلاد، بأملاكهم. إذ، يلجأ أولئك إلى الوكالات القانونية بغرض تكليف آخرين لاستثمار أملاكهم، خوفاً عليها من المصادرة أو الاستيلاء عليها، أو حتى ضياعها وتخريبها.
والوكالة القضائية لإدارة أموال الغائب أو المفقود كانت قد استخدمت مؤخراً بكثافة من قبل أصحاب الأراضي الأميرية المُهجّرين قسراً والنازحين إلى مناطق المعارضة، خاصة في ريف حماة، لمنع استثمار أراضيهم قسراً في المزادات العلنية بحجة غياب أصحابها. وهي الطريقة التي يلجأ إليها النظام حالياً فيما يبدو تبريراً لأي مصادرة لاحقة للأراضي الأميرية في حال انقطاع أصحابها عن استثمارها لأكثر من 5 سنوات متوالية. كما يبدو أن التعميم قد يقطع الطريق على الملاحقين بتهم الإرهاب من معارضي النظام أو المطلوبين أمنياً، من تعيين أشخاص يتولون إدارة أموالهم.
والوكيل القضائي هو النائب الشرعي عن المفقود أو الغائب، العاجزين عن التصرف بأموالهما، بسبب الغيبة أو الفقد. ووفقاً للمادتين 202 و203 من قانون الأحوال الشخصية، فالغائب واحد من ثلاثة؛ شخص لا يُعرف إن كان حياً أو ميتاً، أو شخص على قيد الحياة ولكن لا محل إقامة معلوماً له، أو الشخص معلوم محل الإقامة في الخارج ولكن استحال عليه تولي شؤونه بنفسه. والشرط الثالث ينطبق على المُهجّرين قسراً واللاجئين خارج سوريا، نظراً لاستحالة عودتهم بسبب الملاحقة الأمنية.
قانون الأحوال الشخصية لم يشترط الحصول على الموافقة الأمنية لإصدار الوكالة القضائية لإدارة أموال الغائب أو المفقود. وإنما، يمكن الحصول عليها بطلب يقدّمه أحدهم إلى القاضي الشرعي الأول في المحافظة، بعد مضي سنة على غياب الشخص المعني، مع تضمين الطلب قيد سجل مدني للطرفين، وتقرير حركة قدوم ومغادرة للغائب، وخلاصة سجل عدلي.
اشتراط الموافقة الأمنية، والتي يُقصد بها تقييد التصرف بالممتلكات الخاصة، يُخالف ما أورده الدستور في مادته رقم 50 التي نصت على مبدأ سيادة القانون، لا التعاميم والموافقات الأمنية. كما تعارض حرية الأشخاص بالتصرف بممتلكاتهم وحمايتها واستثمارها، وفق ما تبيحه لهم القوانين السورية المختلفة. المبررات التي أوردها التعميم 30 لا تنسجم أيضاً مع قانون الأحوال الشخصية، عندما ألزم وكيل الغائب، بأن يستأذن القاضي في كل تصرف من تصرفاته، مع بطلان التبرعات من مال الغائب مطلقاً. وبالتالي، فلا يمكن للوكيل أن يتصرف بما يضر مصلحة الغائب، وتنتهي وكالته عند عودة الغائب.