المناطق الصناعية في مناطق المعارضة
أُنشِئت خلال السنوات الماضية مناطق صناعية على أراض زراعية في ريف حلب الشمالي الذي تسيطر عليه الحكومة السورية المؤقتة. وتوزعت هذه المناطق الصناعية على أرياف الباب والراعي وإعزاز وجرابلس ومارع وصوران، وسميّت مدناً صناعية.
المرسوم التشريعي رقم 57 لعام 2004 الخاص بإحداث المدن الصناعية في سوريا، والمرسوم التشريعي رقم 22 لعام 2013 المُعدّل له، نصا على إحداث أربع مدن صناعية فقط؛ المدينة الصناعية الشيخ نجار بمحافظة حلب، والمدنية الصناعية في حسياء بمحافظة حمص، والمدينة الصناعية في عدرا بريف دمشق، والمدينة الصناعية في محافظة ديرالزور. كما نص المرسوم 22، على أن تتمتع تلك المدن الصناعية بالشخصية الاعتبارية والاستقلالية المالية والإدارية، وترتبط بوزير الإدارة المحلية، وتعامل كما لو أنها مدناً يتولى إدارتها مجلس مدينة برئاسة المحافظ، وعضوية مدراء المالية وشركة الكهرباء والمديريات الخدمية في المحافظة. ولاحقاً، أخضعت إدارة تلك المدن لأحكام قانون الإدارة المحلية رقم 107 لعام 2011. المرسوم 22 أجاز إحداث مدن صناعية جديدة بناءً على اقتراح الوزير، ووفق توجهات التخطيط الإقليمي، والأسس الناظمة للتخطيط العمراني. المرسوم 57 أكد أن الجهة الإدارية تتولى إنجاز البنى التحتية للمدينة الصناعية وتجهيزها بكافة الخدمات والمرافق اللازمة من كهرباء ومياه وطرق وصرف صحي واتصالات ومراكز دفاع مدني وشرطة ومركز تأهيل وتدريب ومراكز طبية، قبل ترخيص المقاسم وتقديمها لعملية الاستثمار.
بينما، نُظّمت أحكام المناطق الصناعية وفق قوانين متعددة آخرها قرار رئيس الوزراء رقم 66 لعام 2018، المتعلق بنظام إحداث وتنفيذ واستثمار المناطق الصناعية والحرفية في الوحدات الإدارية. القرار 66 اشترط إقامة المناطق الصناعية على أراضي من أملاك الدولة أو الوحدة الإدارية أو مستملكة. كما يشترط القرار 66 ضرورة التقيد بالمخططات التنظيمية والتفصيلية المصدقة، ووفقاً لتوجيهات التخطيط الإقليمي. ولم ينص القرار 66 على منح المنطقة الصناعية الشخصية الاعتبارية المستقلة لأنها تتبع للوحدة الإدارية.
ورغم أن مناطق المعارضة لم تعد تتبع القوانين والقرارات الحديثة الصادرة عن دمشق، لكن يمكن القول أنه بموجب القوانين السابقة لا يجوز اعتبار التجمعات الصناعية المُحدثة في ريف حلب الشمالي مدناً صناعية، بل مناطق صناعية. إذ أقيمت هذه المناطق الصناعية على أراضي زراعية لا يجوز البناء عليها وفق المخططات التنظيمية؛ وهي إما خاصة تم شراؤها من مالكيها وتحويلها لمقاسم معدّة للبناء كما هو الحال في مارع وصوران، أو أراضٍ متروكة مرفقة من الأملاك العامة التي يكون لأهالي المنطقة حق استعمال عليها كما في الراعي وإعزاز.
ومن جهة أخرى، لم يؤخذ بعين الاعتبار عند إنشاء المناطق الصناعية السابقة موقعها بالنسبة للتجمعات السكنية المجاورة. بينما يفرض القرار 66 على الوحدات الإدارية عند إحداث منطقة صناعية انتقاء موقعها وفق الأسس التنظيمية، والمعايير البيئية، ومراعاة موقعها بالنسبة للتجمعات السكانية وتوسعها على أراض غير زراعية. ويشكل هذا تعدّياً على حقوق الملكية والسكن من خلال إلحاق الضرر بالأراضي الزراعية والتجمعات السكنية المجاورة للمناطق الصناعية المحدثة.
القرار 66 فرض على الوحدة الإدارية أيضاً، وضع مخطط تنظيمي وتقسيمي للمنطقة الصناعية، بما يتوافق مع المخطط التنظيمي العام، وتبيان إمكانية بناء طوابق متعددة لاستيعاب الصناعات. لكن، المناطق الصناعية المحدثة في ريف حلب الشمالي، ورغم وضع مخططات خاصة بها، لم تأخذ بالحسبان المخطط التنظيمي العام للمنطقة. ويعني ذلك إحداث تغيير تام في المخطط، فضلاً عن إقامة أبنية دون الالتزام بالشروط الفنية على الأراضي الزراعية والتي قد لا تصلح للبناء الطابقي.
كما أن عملية بيع المقاسم ضمن المناطق الصناعية المحدثة في ريف حلب الشمالي، تمت من دون شروط على المشترين. لا بل على العكس، جرى ترغيب المُشترين بمنحهم إذن عبور تجاري إلى تركيا، في حال أشادوا منشآتهم الصناعية على مقاسم ضمن المناطق الصناعية. ولذلك، معظم مشتري المقاسم عادوا وباعوها، إذ أن الغاية كانت بهدف الربح أو الحصول على إذن العبور التجاري. ولذلك بقيت أكثر من نصف المقاسم ضمن جميع المناطق الصناعية بلا منشآت صناعية عليها. في حين أن المرسوم 22 منع بيع المقاسم غير المبنية في المدن الصناعية “على الخريطة”، أكثر من مرة واحدة فقط بعد تسديد كامل قيمتها لصالح المدينة الصناعية، وأن يتعهد الشاري بالبناء وفقاً لأنظمة المدينة الصناعية. كما يجوز بيع المقاسم بعد بنائها، بشرط موافقة إدارة المدينة الصناعية.