المكتب التنفيذي في داريا يواصل إزالة العقارات المتضررة
يواصل المكتب التنفيذي في مدينة داريا بريف دمشق، إزالة بعض الأبنية التي يقول إنها آيلة للسقوط، أو غير صالحة للسكن، أو أن أنها تمثّل خطراً على المارة وسكان الجوار. ولكن، تشوب تلك العملية بعض التجاوزات القانونية والإدارية، ما يثير القلق حول انتهاكات محتملة لحقوق السكن، الأرض والملكية.
وتعرضت مدينة داريا لحصار شديد فرضته قوات النظام، ما بين العامين 2012-2016، انتهى بتهجير كامل السكان قسرياً بعدما سويت أحياء كاملة من المدينة بالأرض بسبب القصف الجوي. وكان يسكن داريا نحو 255 ألف نسمة في العام 2007 بحسب إحصاءات رسمية، في حين يقطنها حالياً حوالي نحو 25 ألف شخص فقط بحسب تقديرات أهلية حصلت عليها سيريا ريبورت.
ويقوم المكتب التنفيذي لمجلس مدينة داريا، منذ حادثة انهيار بناء في نيسان الماضي، بحملة منخفضة الوتيرة لكن متواصلة، لإزالة الأبنية المتضررة. وبحسب قانون الإدارة المحلية الصادر بالمرسوم رقم 107 لعام 2011، ينتخب مجلس الوحدة الإدارية أعضاء مكتبها التنفيذي، الذي يُمارس اختصاصاته بصورة مجتمعة. وبحسب القانون، لا يجوز لأي جهة عامة أو خاصة، أن تُجري أي عمل من أعمال التغيير أو الهدم في بناء قائم، قبل الحصول على رخصة مسبقة من المكتب التنفيذي.
والملفت أن المكتب التنفيذي يُعلن عن الأبنية المُرادِ إزالتها، في صفحته في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، وذلك بغرض إبلاغ أصحاب العقارات بقرار إزالتها. في مرات متعددة، نشر المكتب التنفيذي صوراً لعقارات متضررة، وطلب من متابعي صفحته، المساعدة بالتعرف على أصحابها. ويشير ذلك، إلى عدم وجود قاعدة بيانات، ولا سجلات عقارية، يستند إليها المكتب لتحديد أصحاب تلك العقارات.
ولا يبدو بأن المكتب التنفيذي يستند في حملته إلى القانون 3 لعام 2018 الخاص بإزالة أنقاض الأبنية المتضررة نتيجة أسباب طبيعية أو غير طبيعية أو لخضوعها للقوانين التي تقضي بهدمها. إذ بحسب القانون 3 لعام 2018، يُصدر المحافظ، بناء على اقتراح الوحدة الادارية، قراراً يحدد فيه المنطقة العقارية والمباني المتضررة، ويحدد المهلة التي يجب فيها على الوحدة الإدارية إعداد تقرير مفصل عن واقع هذه المنطقة. وبعد إنجاز التقرير، يُشكّلُ المحافظ “لجنة توصيف المباني المتضررة والتثبت من ملكيتها وملكية الأنقاض” المؤلفة من خمسة أعضاء برئاسة قاض عقاري ورئيس دائرة المساحة في السجل العقاري وخبير عقاري وممثل عن المصالح العقارية وممثل عن الأهالي. وتقوم اللجنة بجرد وتوصيف المباني المتضررة والتثبت من ملكيتها، وتحدد حالة الأبنية ومقدار الضرر الواقع عليها، ومدى سلامتها من الناحية الإنشائية، وتصدر توصيات بشأن هدمها كلياً أو جزئياً أو عدم هدمها. وليس هذا هو الوضع في داريا.
لا بل أن الحملة فوضوية لا ضوابط قانونية تحكمها. مثلاً، في حال الوصول إلى صاحب العقار المراد إزالته، يتم هدم العقار بحضوره، بواسطة آليات البلدية وعلى نفقتها. ولكن، تبقى أنقاض المبنى في مكانها، لأنها تعتبر أملاكاً خاصة، بحسب لغة المكتب التنفيذي، وصاحب العقار هو الوحيد المُخوّل بالتصرف بها. وفي حال عدم التعرّف على صاحب العقار، أو عدم حضوره، تتم إزالة العقار، مع إبقاء الأنقاض في مكانها كما في الحالة السابقة. وفي حال وجود خلل في البناء يمكن إصلاحه، يتم إبلاغ صاحب العقار، عبر فيسبوك، والطلب منه إصلاح العقار على نفقته الخاصة.
وكمثال على هذا التشوش في المفاهيم والقوانين؛ أعادت بلدية داريا تأهيل الرصيف المحاذي لمقبرة البلدة، على مسافة 400 متر، في تموز الماضي، بدعم وتوجيه من محافظ ريف دمشق. وقال حينها رئيس مجلس مدينة داريا، بأن الأحجار الكبيرة المستخدمة في إعادة تأهيل الرصيف تم جمعها من أكوام الأنقاض. ولا يبدو هنا بأن المجلس قد اكترث بأن الأنقاض هي ملكية خاصة لأصحاب العقارات المهدومة.
مراسل سيريا ريبورت نقل عن مصادر في المدينة قلقها من وجود عدد كبير من الأبنية المتضررة الآيلة للسقوط، وعدم ارتياحها للطريقة التي يتبعها المكتب التنفيذي لإزالة تلك الأبنية. إذ أن عملية الإزالة، بحسب المصادر، عشوائية وانتقائية لا تحكمها معايير واضحة. ويمكن للمكتب التنفيذي مثلاً، اعتبار بناءً ما متضرراً يجب إزالته، بسبب منظره الخارجي فقط من دون إجراء دراسة هندسية جدّية لوضع المبنى وتحديد مستوى المخاطر. في حالة واحدة على الأقل، تسببت شكوى قدمها سكان الجوار، بهدم أحد المباني من دون القيام بدراسة هندسية للمبنى.
المكتب التنفيذي أوضح في فيسبوك، أنه قبل أية عملية إزالة، تجري استشارة مُهندسين، بغرض اتخاذ القرار المناسب؛ إن كان إمكانية ترميم البناء أو هدمه. وبعد التأكد بأن البناء آيل للسقوط ويشكل خطراً حقيقياً، يقوم المكتب بنشر صور للمبنى ليتسنى لأصحابه التواصل مع البلدية. كما أكد المكتب على أن رخصة إعادة البناء للأبنية المُزالة تكون مجانية.
لكن المكتب التنفيذي لم يشر أبداً إلى وجود لجنة سلامة عامة يمكن الركون إلى تقاريرها الهندسية لتحديد المخاطر على السلامة الإنشائية للأبنية. وتقوم لجنة السلامة العامة بمهام متنوعة منها معالجة قضايا السلامة الإنشائية للأبنية المعرضة للانهيار. ويعود للوحدة الإدارية، في معرض معالجة السلامة الانشائية للمباني، الاستعانة بنقابة المهندسين، أو تشكيل لجنة سلامة عامة خاصة بها. ولا يبدو أن مجلس مدينة داريا قد اعتمد أياً من الخيارين.
هذا، بالإضافة أيضاً إلى عدم وجود آلية لتعويض أصحاب العقارات المُزالة عن الخسائر التي لحقت بهم، خاصة أنهم ليسوا مسؤولين عن الضرر الذي لحق بها. إذ أن أن معظم الأبنية في داريا تضررت بسبب القصف الجوي والمدفعي الذي نفذته قوات النظام على المدينة أثناء فترة سيطرة المعارضة عليها.