المخيمات شمالي إدلب: الريح يكشف فساد متعهدي البناء
أتت رياح شتاء 2020-2021 على 18 كتلة سكنية في مخيم ترملا للنازحين شمالي إدلب. وعدا عن حرمان العشرات من المسكن الآمن خلال فصل الشتاء، يعود ذلك إلى خلل كبير في تطبيق الشروط الفنية لبناء الكتل السكنية، ما أشار إلى دور محتمل لفساد الجهات المنفذة للمشروع.
صورة من مخيم ترملا. المصدر: ناشطون.
مخيم ترملا حديث الإنشاء جنوبي بلدة صلوه. وهو مؤلف من 200 كتلة سكنية مبنية بالبلوك والاسمنت، ومسقوفة بعوازل ضد المطر، ومساحة الوحدة الواحدة منها 48 متراً مربعاً. والمخيم مقام برعاية وتمويل هيئة الإغاثة الإنسانية التركية IHH، ونفذه متعهد سوري رست عليه مناقصة البناء.
وتنتشر مخيمات النازحين التي تمولها المنظمات الإنسانية شمالي إدلب، وأقيم أغلبها في مناطق جبلية تعود ملكيتها للدولة السورية. وتقام المخيمات بناء على مخططات هندسية مسبقة تتوافق مع طبيعة الأرض. وتطرح المنظمات الإنسانية مناقصات للبناء، بهدف الحصول على أفضل العروض الفنية والمالية.
ومخيم ترملا هو جزء من مشروع تركي أطلق منتصف العام 2020 لبناء 50 ألف مسكن داخل محافظة إدلب. وتقوم منظمات تركية بتمويل المشروع، وأبرزها هيئة الإغاثة الإنسانية التركية والهلال الأحمر التركي، ووقف الديانة، وقف هداي، جمعية بشير، جمعية دنيز فناري ووقف الخيرات. وهناك مشاريع أخرى مستقلة عن المشروع التركي تقوم بها منظمات سورية محلية كمنظمة مرام، فريق ملهم التطوعي وجمعية عطاء.
مراسل سيريا ريبورت في المنطقة، نقل عن مصادر أهلية، أن المتعهد المنفذ للوحدات السكنية في مخيم ترملا تلاعب بمواصفات مواد البناء، بغرض تحقيق أعلى أرباح ممكنة. على سبيل المثال، تحتاج الكتلة السكنية الواحدة لما يقارب 1100 بلوكة. وكل 50 بلوكة تحتاج في صنعها إلى كيس اسمنت واحد بوزن 50 كيلوغراماً. وبحسب المراسل، يقوم بعض المتعهدين بالاتفاق مع مصنع “مكبس” البلوك بتخفيض كمية الاسمنت بحيث يمكن صناعة 90 بلوكة بكيس إسمنت واحد. ويخفض ذلك من المواصفات الفنية للبلوك، ويجعله قابلاً للكسر.
كما كشفت قضية مخيم ترملا، أن متعهد المشروع تلاعب بمواصفات بناء الكتل السكنية. إذ أقيمت بعض الوحدات من دون تأسيس مناسب. بعض الحفر لم تصل إلى الطبقية الصخر، في حين أقيمت بعض الوحدات مباشرة فوق التراب. كما تم التلاعب بكمية مواد البناء المُحددة في العروض الفنية للبناء.
والمواصفات الفنية المطلوبة من قبل هيئة الإغاثة الإنسانية التركية كانت على الشكل التالي: 8 أمتار مكعبة من الحجر لتأسيس البناء، 3,5 متراً مكعباً من الرمل الخشن للردم، 5 أمتار مكعبة من الرمل الصالح لجبل الإسمنت. واشترطت المواصفات أن يكون عيار الاسمنت 150كيلوغراماً/متر مكعب، بواقع 30 كيس اسمنت، و5 قضبان حديدية بطول 12 متر للقضيب بقطر 8 ملم. مع تقديم بابين وثلاثة شبابيك حديدية بسماكة 2 ملم.
ونتيجة للتنفيذ السيئ لبناء الكتل السكنية، تسببت أول عاصفة ريحية إلى تهدم بعض الوحدات ما اضطر قاطنيها للعودة الى الخيام، ريثما يتم ترميمها من قبل المتعهد المنفذ بضغط من هيئة الإغاثة الإنسانية التركية. إلا أن الترميم كان شكلياً أيضاً، وسرعان ما ظهرت التصدعات في الوحدات السكنية، ما جعل ساكنيها بين خيارين: العودة إلى الخيام، أو الترميم على نفقتهم. مراسل سيريا ريبورت نقل عن بعض سكان الوحدات المتضررة، أن المتعهد المنفذ وإدارة مخيم ترملا، ضغطت عليهم لعدم التواصل مع هيئة الإغاثة الإنسانية التركية، ولا مع وسائل الإعلام.
ونتيجة لتلك الفضائح، أوقفت المنظمات الممولة بناء الوحدات السكنية عن طريق المتعهدين، ثم طرحت طريقة جديدة لتنفيذ المشروع عن طريق المستفيدين أنفسهم، منذ بداية آذار، تحت شعار “ابني بيتك بإيدك”. واعتمدت المنظمات على تقديم المواد الأولية للمستفيدين، بكميات محددة موافقة للشروط الفنية، والتي يقدر ثمنها بـ600 دولار أميركي للوحدة الواحدة. وبعد ذلك، يقوم المستفيد بتنفيذ البناء بنفسه وعلى نفقته، وهو الأمر الذي لاقى ترحيباً بين المستفيدين، على الرغم من أن أتعاب البناء تُكلّفُ ما يقارب 200 دولار يدفعها المستفيد. ويقتصر دور المنظمات بهذه الطريقة على الاشراف على البناء، والتأكد من الكميات والمواصفات، وتنظيم تقدمها للمستفيدين تباعاً.
وشجعت المنظمات الممولة لمشروع الوحدات السكنية النازحين على شراء الأرض واقتسامها وتحديد حصصهم فيما بينهم. ولم تتأكد سيريا ريبورت من طريقة شراء الأرض، ولا كيفية تحديد ثمنها، في حالة ملكيتها للدولة السورية. وبعد ذلك، يتوجب على أصحاب الأرض الجدد التنازل عن العقار لصالح المنظمة الممولة، لقاء تقديم مواد البناء لهم. ويفقد بذلك أصحاب الأرض الجدد حقهم بالبيع والاستثمار للأرض، ويكون للمنظمة إدارة المشروع وتمويله. ويعتبر بعض النازحين أن ذلك التنازل مجحفٌ ويستغل حاجتهم للسكن.
صورة عن التعهد. المصدر: ناشطون.