اللاذقية: أين اختفت أنقاض المساكن بعد الزلزال؟
منذ زلزال 6 شباط 2023، ما زال موضوع الأنقاض في اللاذقية يعامل شعبياً كموضوع له حساسية أمنية من غير المحبذ الخوض فيه. ويُدرجُ بعض الأهالي الموضوع تحت خانة “خط أحمر” لتبرير الصمت الرسمي والشعبي عنه. وكل ما يذكر عن الموضوع يتعلق بمحتويات المساكن المنهارة من المفروشات السليمة والمقتنيات الثمينة، لا الأنقاض بحد ذاتها. وهذا أمر غير مفهوم، إذ أن أنقاض المساكن أيضاً هي حق لأصحابها.
في كل الأحوال، لم يذكر أي من أصحاب الأنقاض، أنهم حصلوا على أي تعويض مقابلها، ولا إن كان قد أتيح لهم أخذ مقتنياتهم الثمينة المطمورة فيها قبل ترحيلها. كما يجهل معظم أصحاب المساكن المنهارة موضع تجميع الأنقاض بعد ترحيلها، ويخشون السؤال عنها.
مصدر من محافظة اللاذقية قال لسيريا ريبورت، أن الأنقاض الناجمة عن الزلزال تم ترحيلها إلى مكب أنقاض على طريق حلب الجديد. وأضاف أن تلك الأنقاض سيجري تدويرها والاستفادة من بعض محتوياتها، كالبحص في مشاريع شق الطرق العامة. في حين أن محتويات الأنقاض من المعادن كالحديد والنحاس والألمنيوم، سيقوم “تجار من أصحاب النفوذ” بتدويرها، بشكل غير رسمي، بحسب ما قاله المصدر. وأضاف، الكل يعرف ذلك، رافضاً التوضيح أو الاسهاب في الشرح.
الملفت أن القانون رقم 3 عام 2018 الخاص بإزالة أنقاض الأبنية المتضررة نتيجة أسباب طبيعية أو غير طبيعية أو لخضوعها للقوانين التي تقضي بهدمها، كان قد أعطى لأصحاب العقارات المهدمة الحق بقيمة أنقاضهم، ولكنه ترك للوحدات الإدارية تحديد تلك القيمة بعد بيعها في المزادات العلنية، أو تدوير الأنقاض وخصم تكلفة الهدم والإزالة منها. ولم يتم ذكر القانون 3، في أي مرحلة من مراحل هدم الأنقاض وترحيلها الجارية حالياً في اللاذقية.
مصدر من مجلس مدينة اللاذقية، قال لسيريا ريبورت، إن المخاوف الشعبية في منع الحديث عن الأنقاض غير واقعية، وأن المشكلة تتعلق بوجود جهات في البلديات تحاول التغطية على الفساد والسرقة التي تمت للأنقاض خلال ترحيلها، عبر الإشاعة بأن الأمر له حساسية أمنية أو خط أحمر يمنع الحديث فيه. المصدر أشار إلى أن ورشات البلديات المسؤولة عن ترحيل الأنقاض ارتكبت انتهاكات كبيرة ضد الممتلكات الخاصة.
وبحسب المصدر، فالأمر لا يتعلق فقط بـ”عمال فقراء من حقهم الاستفادة” كما يتم الترويج للأمر، ولكنه أكثر منهجية وبإشراف مسؤولين في المجالس البلدية. وغالباً ما تمنع الورشات المكلفة إزالة الأنقاض الأهالي من مرافقتها أثناء عملها بذريعة حمايتهم، وفعلياً للاستفراد بمواقع الأنقاض والتنقيب فيها عن الأشياء الثمينة، وسرقتها. وما يبقى غالباً من الأثاث هو غير الصالح للاستعمال أو التدوير. والملفت، بحسب المصدر، عدم تسجيل أية شكوى رسمية من قبل السكان، ضد السلطات البلدية، بدعوى السرقة.
في المقابل، قال مصدر مطلع من مجلس محافظة اللاذقية لسيريا ريبورت، بأن المكتب التنفيذي في محافظة اللاذقية، عقد خلال الفترة الماضية، اجتماعات دورية، لمتابعة عمليات هدم الأبنية الآيلة للسقوط، وترحيل أنقاضها. واتبع المجلس، الإجراءات القانونية المطلوبة خلال عمليات الهدم والترحيل، ومنها ضرورة توفر الوثائق التالية؛ ضبط الوحدة الشرطية، وموافقة صاحب العقار على الهدم والترحيل مصدقة لدى الكاتب بالعدل، والقرارات الصادرة عن مجالس الوحدات الإدارية بالهدم بناء على تقارير لجان السلامة الانشائية. وبحسب المصدر، جرى التأكيد في كل الاجتماعات على أحقية أصحاب المباني بالوصول إلى أنقاض مساكنهم، والاطلاع على تفاصيل سير عملية الهدم والترحيل، وصولاً إلى مكب الأنقاض النهائي.
على أرض الواقع، لم تبدأ عملية إزالة الأنقاض إلا بعد شهر من وقوع الزلزال، وشمل ذلك أنقاض الأبنية المتهدمة كلياً، وكذلك أنقاض الأبنية المتضررة بشدة والآيلة للسقوط بتأثير الزلزال التي هدمتها ورشات تابعة لمجلس مدينة اللاذقية ومحافظة اللاذقية بالاستعانة بورشات من فرع الإنشاءات العسكرية في محافظة اللاذقية.
البداية كانت مع البناء المنهار في حي السجن في مدينة اللاذقية. أحد سكان البناء، قال في حسابه في فيسبوك، أن البلدية طلبت مبلغ 70 مليون ليرة لترحيل الأنقاض، وادعى أحد الموظفين أنه لتغطية تكاليف عملية ترحيل الأنقاض وفرزها، والسماح للسكان لأخذ ما يريدون من ممتلكاتهم. وتسبب ذلك بلغط واسع، عن مسؤوليات البلديات والمحافظة، في ترحيل الأنقاض والمحافظة على الممتلكات الخاصة. بعد ذلك، قامت البلدية بترحيل الأنقاض فجأة من الموقع، من دون جباية أي مبلغ من السكان السابقين، وأيضاً من دون إعلامهم بتوقيت الترحيل. وتسبب ذلك السلوك المريب، بانتشار شائعات بين أهالي اللاذقية، بأن الأنقاض ليست من حق أصحاب المساكن.
في مثال آخر، انهار بناء قديم ومتهالك، مؤلف من أربعة طوابق، في عشوائية الرمل الجنوبي بمدينة اللاذقية، بتأثر الزلزال. وروى شهود عيان بأن ورشات هدم وإزالة الأنقاض التابعة لمجلس مدينة اللاذقية، عملت على إزالة أنقاض المبنى، ولم يتردد العمال بسرقة الأشياء الثمينة بين الأنقاض، ومنها ذهب وحلي. وعندما استوضح أحد السكان السابقين عما حدث، أنكر موظفون في مجلس المدينة حدوث أية سرقات.
في مدينة جبلة، انهارت الطوابق الثلاثة السفلية من بناء مؤلف من 4 طوابق، بينما بقي الطابق الرابع سليماً جزئياً ولكنه تعرّض لميلان خطير. أصحاب المبنى، تمكنوا من إخراج المفروشات والعفش من الطابق الرابع، بالاستعانة بورشة تابعة لبلدية جبلة. أصحاب المبنى، بحكم علاقتهم الوثيقة بأحد الضباط الرفيعين، تمكنوا من تجيير عمل الورشة لشؤونهم الخاصة، والإبقاء على الأنقاض لاستخدامها في إعادة بناء المبنى.
وما زالت ورشات من بلديات اللاذقية، تواصل عملها حتى اليوم في ترحيل الأنقاض، وفتح الطرقات المغلقة. وترافق تلك الورشات مجموعات من الدفاع المدني وفوج الإطفاء في اللاذقية. ومع ذلك، تحدث الانتهاكات بشكل متواصل. متطوع في منظمة غير حكومية، تلقى عرض عمل مؤقت من قريب له يعمل في ورشة هدم وترحيل أنقاض تابعة لإحدى البلديات. الدعوة تضمنت إشارة واضحة بأن التعويض الحقيقي للعمل هو بإمكانية العثور على مقتنيات ثمينة بين الأنقاض. وضمن هذا الجو المشحون بالفوضى، والعلاقات الشخصية والمحسوبيات، اعتبر الشاب المتطوع، أن ذلك أمر طبيعي وقال إنه يشعر بالامتنان تجاه قريبه لأنه وفر له عملاً يستفيد منه.
من جانب آخر، تمكنت عائلة في إحدى قرى ريف اللاذقية، من إخراج كامل محتويات منزلها المنهار بشكل جزئي، عبر ورشات تابعة لبلدية القرية، وبمرافقة من عناصر يتبعون لإحدى الجهات الأمنية التي يعمل فيها أحد أفراد العائلة. وبذلك، حمت العائلة كامل محتويات منزلها، ولم تتعرض لأي سرقة أو تعفيش، كما تمكنت من معرفة موقع الترحيل، وزارته لأخذ بعض الأشياء القابلة للتدوير.