السماح بالعودة إلى أحياء جديدة في الحجر الأسود
سمحت محافظة ريف دمشق، منذ مطلع العام 2023 للنازحين عن حيي الوحدة والاستقلال في مدينة الحجر الأسود بريف دمشق، بالتقدم بطلبات للعودة إليهما، بعدما كانت العودة خلال العام 2022 محصورة بالنازحين عن حيي تشرين والثورة فقط.
الحجر الأسود هي مدينة ومركز ناحية تتبع إدارياً لمحافظة ريف دمشق، وتحاذي مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين. وكان يسكن الحجر الأسود قبل العام 2011 نحو نصف مليون نسمة. والمدينة كانت تعتبر قبل العام 2011 أكبر تجمع لنازحي الجولان منذ حرب حزيران 1967. وبسبب هذا الوجود الكثيف لنازحي القنيطرة في الحجر الأسود، تتداخل السلطات والمسؤوليات فيها بين محافظتي ريف دمشق والقنيطرة. في كل الأحوال، جزء كبير من مدينة الحجر الأسود عبارة عن مناطق عشوائية غير منظمة ولا مخدّمة وكانت مقصداً للمهاجرين الفقراء من بقية المحافظات السورية إلى العاصمة.
تعرضت المدينة لدمار شديد بسبب العمليات القتالية، إبان سيطرة المعارضة عليها بين العامين 2012-2015، وكذلك خلال فترة سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية ما بين العامين 2015-2018. وقد استعادت قوات النظام السيطرة على المدينة في العام 2018 بعد حملة قصف جوية ومدفعية واسعة النطاق تسببت بتدمير أحياء كاملة في المدينة، والتهجير القسري لمن تبقى من سكانها.
وحتى نهاية العام 2022 كانت العودة محصورة فقط بالنازحين عن حيي تشرين والثورة، لأنهما الأقل تضرراً بفعل العمليات العسكرية السابقة في المدينة. ومع ذلك، ما زالت الأنقاض منتشرة في الشارع الرئيسي الواصل بين الحيين، والكثير من الحارات الفرعية، رغم جهود العائدين الفردية بإزالتها على نفقتهم الخاصة. وكان وفد من أهالي المدينة قد التقى نهاية العام 2022 بمحافظ ريف دمشق صفوان أبو سعدى، واشتكوا من رداءة الخدمات في حيي تشرين والثورة، وطالبوا باتخاذ التدابير اللازمة لوقف التعفيش والسرقات التي طالت المنازل المعاد ترميمها حديثاً، والإسراع بتأهيل شبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي وتعبيد الطرقات. بدوره، أكد المحافظ أن المحافظة والجهات المختصة يبذلون جهدهم لتأمين الأولويات مؤكداً على أهمية تعاون المجتمع المحلي ومشاركته في إعادة إعمار الحي.
بينما تعرضت أحياء الوحدة والاستقلال في الحجر الأسود، التي كانت تقطنها قبل 2011 غالبية من تركمان وشراكس الجولان، لضرر أكبر نتيجة المعارك ما أخّر السماح بالعودة إليهما. وكان البعض من نازحي حي الاستقلال، قد شاركوا نهاية العام 2022، بحملة طوعية لتنظيف الحي، تضمنت إزالة الأنقاض والردميات من البيوت وبعض الحارات، وجمعها في الساحات العامة، بالتنسيق مع البلدية. حينها، لم يكن مسموحاً لهم بالعودة بعد، ولذا، فقد شاركوا في الحملة، وعادوا من حيث جاؤوا من مناطق نزوحهم. وخلال جولة له في المدينة في نهاية كانون الثاني 2023، قال محافظ القنيطرة معتز أبو النصر جمران، بإنه وجّه ورشات من المحافظة لتنظيف حيي الوحدة والاستقلال. ولكن، لم تبدأ ورشات محافظة القنيطرة بتنظيف الشوارع الرئيسية للحيين وبعض الحارات الفرعية فيهما، حتى 13 أذار الماضي، واستمرت لأربعة أيام فقط.
وما زالت العودة ممنوعة على النازحين من حيي الجزيرة والأعلاف، وهما الأكثر دماراً، بسبب شبكة الأنفاق التي حفرها تنظيم الدولة الإسلامية تحتهما خلال فترة سيطرته على المنطقة، وكذلك بسبب القصف المكثف خلال الحملة العسكرية الأخيرة لقوات النظام والطيران الروسي. رئيس مجلس مدينة الحجر الأسود خالد خميس، قال في منشور شاركه في صفحته في فيسبوك، في 11 أذار، إن خطوات مهمة قد قطعت على طريق إعادة تأهيل البنى التحتية والخدمية، وأضاف أنه سيسمح لاحقاً بالعودة أيضاً إلى حي الجزيرة، ولكن بعد أن تقوم المحافظة بإزالة الأبنية الآيلة للسقوط.
الملفت دائماً، أن محافظة القنيطرة هي من تبدأ إزالة الأنقاض من الأحياء التي تسمح محافظة ريف دمشق بعودة السكان إليها. وبعد أن تبدأ تلك الأعمال، تعود محافظة القنيطرة وتسحب ورشاتها وآلياتها من دون تبرير، وتتولى بعد ذلك ورشات من محافظة ريف دمشق القيام بأعمال التأهيل، كما حدث في حيي الثورة وتشرين مطلع العام 2022. حينها سعت محافظة القنيطرة ووجهاء من الجولان للحصول على موافقة بعودة السكان والبدء بإزالة الأنقاض، ومن ثم انسحبت من المشهد لصالح محافظة ريف دمشق.
وينتقد السكان سلوك محافظة القنيطرة الغريب، إذ لم تقم حتى اللحظة بتأهيل أي من المراكز والمدارس التابعة لها في الحجر الأسود. مصدر مطلع على عمل مجلس محافظة القنيطرة قال لسيريا ريبورت، أن ذلك يعود لأسباب تمويلية؛ إذ أن محافظة ريف دمشق تحصل على العديد من المساعدات من المنظمات المحلية والدولية في إطار عقود وقعتها لمشاريع التعافي المبكر في الحجر الأسود، في حين لم تتمكن محافظة القنيطرة من الحصول على أي من تلك المساعدات وهي تعتمد فقط على ميزانيتها المحددة بموجب ميزانيتها وما تحصله بموجب القانون المالي للوحدات الإدارية.
وتسعى السلطات السورية لدى المنظمات الدولية، للحصول على تمويل لمشاريع تضعها تحت خانة التعافي المبكر، لإعادة تأهيل المدارس، وإعادة تأهيل شبكات الماء والكهرباء والصرف الصحي، وإزالة الأنقاض. ويبدو بأن السلطات السورية تضع ذلك شرطاً مسبقاً قبل السماح بعودة النازحين.
وبالإضافة إلى منظمة الهلال الأحمر السوري، يساعد حالياً في إعادة تأهيل الحجر الأسود فريق بطريركية أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس – دائرة العلاقات المسكونية والتنمية، بالتعاون مع منظمة العون الكنسي النرويجية، والتي قامت في آذار الماضي بترميم وتأهيل المركز الصحي في المدينة وتسليمه لمديرية صحة ريف دمشق. بدورها منظمة اسعاف أولي، قامت بتأهيل مدرسة الحجر الأسود الثالثة المختلطة، بالتعاون مع محافظة ريف دمشق ووزارة التربية.
رئيس بلدية الحجر الأسود قال في آذار 2023، بأن هناك 3100 طلب بالعودة إلى الحجر الأسود، تمت الموافقة على 2700 منها. وأضاف أن 350 منزلاً تمت إعادة ترميمها تقريباً، منها 140 منزلاً بمساعدة الهلال الأحمر السوري. وتعهد بإعادة تأهيل شبكة المياه الصالحة للشرب قريباً. مراسل سيريا ريبورت أشار إلى أن العودة للحجر ما زالت خجولة، ولم يعد فعلياً للاستقرار فيه سوى 1000 شخص تقريباً (200 عائلة). بينما يفضل كثير من النازحين زيارة مساكنهم وتفقدها بين الحين والآخر، من دون العودة للاستقرار في المنطقة التي تفتقر للخدمات الرئيسية كالماء والكهرباء.
مراسل سيريا ريبورت أشار إلى أنه بات بإمكان العائدين إجراء الفيش الأمني في مكتب البلدية في مفرزة الأمن العسكري التابعة لفرع المنطقة، في شارع الثلاثين في مخيم اليرموك المجاور، قبل الدخول إلى المدينة. وشارع الثلاثين هو المدخل الرئيسي للحجر الأسود. في حين أن إجراءات الحصول على الموافقة الأمنية لم تتغير، ويجب على الراغب بالعودة تقديم طلب لبلدية الحجر الأسود التي ترفع الأسماء لفرع المنطقة، حيث تتم دراستها قبل الموافقة أو الرفض. وبالنسبة لمن فقدوا أوراقهم الثبوتية، فما زالوا غير قادرين على الحصول على الموافقة الأمنية، على الرغم من اتباعهم تعليمات البلدية واستخراج ضبط من قسم الشرطة، ووصل دفع فاتورة كهرباء أو ماء، وورقة مصدقة من مختار الحي يشهد فيها شاهدان من سكان المنطقة بأن الشخص المعني هو صاحب العقار.
أحد النازحين قال إنه يزور المدينة شهرياً لتفقد منزله، وفي كل مرة يجد الأوضاع أكثر سوءاً، بسبب استمرار عمليات التعفيش خاصة في حيي الأعلاف والجزيرة. التعفيش يطال كل ما يمكن بيعه وإعادة تدويره، بما في ذلك أعمدة الإنارة المركبة حديثاً. كما يفرض الحاجز المتواجد على مدخل المدينة اتاوات على السكان الراغبين بإدخال الأثاث إلى منازلهم.