السلطات السورية تصرّ على مقاربة تدوير الأنقاض كقضية تقنية لا حقوقية
قدّمت مديرة “مشروع إعادة استخدام أنقاض المباني في إنتاج خرسانة ومواد البناء المختلفة” فاطمة الصالح، في حديثها الأخير لصحيفة الوطن شبه الرسمية، في 9 تشرين الثاني 2022، معلومات وآراء بخصوص إعادة تدوير الأنقاض، بحيث ظهر الأمر مجرد مشكلة تقنية لها بعد اقتصادي استثماري، من دون أي إشارة واضحة إلى علاقة الأنقاض بحقوق السكن والأرض والملكية.
وإعادة استخدام أنقاض الأبنية والبنى التحتية هو مشروع بحثي يمولّه صندوق دعم البحث العلمي والتطوير التقاني التابع لوزارة التعليم العالي. والمشروع هو نتيجة اتفاق تم توقيعه في العام 2016، بين وزارة التعليم العالي وبين وزارة الدولة لشؤون البيئة (دمجت لاحقاً مع وزارة الإدارة المحلية). ويضم المشروع 14 باحثاً من جامعة حلب ومديرية البيئة في مدينة حلب. ويهدف المشروع إلى وضع مقياس محدد لتصنيف الحصويات الناتجة عن الأنقاض حسب خواصها الفيزيائية والميكانيكية، بغرض توظيف هذه الأنقاض في الاستخدامات الهندسية المختلفة. كما يتضمن تصميم خلطات بيتونية وإسفلتية وخلطات بلوك، وإيجاد مواد عازلة، باستخدام الأنقاض معادة التدوير. وقد أنجز المشروع، بحسب تصريحات سابقة للصالح، أبحاثاً حول الجبلات البيتونية الناتجة عن تدوير الأنقاض بغرض استخدامها في تصنيع الطوب الإسمنتي “البلوك” الخاص بالبناء.
ولكن، على أرض الواقع لم يحدث سوى تجربة صغيرة في منطقة الراموسة بحلب، بحسب ما قالته الصالح. وقد تمّت هذه التجربة في العام 2019 بتمويل من صندوق الأمم المتحدة الإنمائي UNDP، ودعم من الأمانة السورية للتنمية ومجلس مدينة حلب، ونفذتها منظمة ريسكات Rescate الاسبانية.
التجربة تضمّنت نقل الأنقاض وتكسيرها وفرزها، لاستخراج مواد يمكن استخدامها في تصنيع الطوب الاسمنتي الخاص بالبناء. صندوق الأمم المتحدة الانمائي تكفّل بتمويل التجربة، بما في ذلك دفع أجور العاملين، وتكاليف النقل، وتأمين الآليات الخاصة بتكسير وفرز الأنقاض. وبحسب تصريحات رسمية، فالمعدات والآليات تضمّنت 12 جراراً ومقطورة، وتركسين، بالإضافة إلى كسارة وفرازة للحجر، و12 مكبساً للبلوك.
وبحسب تصريح لرئيس مجلس مدينة حلب لوكالة سانا الرسمية في آذار 2019، فتلك التجربة قد نجحت، وتحولت إلى مشروع لإنتاج 8 آلاف بلوكة من الطوب الاسمنتي. وأشار رئيس المجلس حينها إلى أن الجهات الدولية الممولة للمشروع تكفلت بتأمين الآليات والمعدات، على أن تعود ملكيتها لمجلس مدينة حلب بعد انتهاء المشروع. وأوضح رئيس المجلس، بأن الكوادر العاملة من مجلس المدينة يتم تدريبهم لمواصلة العمل في المشروع.
ويبدو بأن التجربة “الناجحة” قد قادت إلى الشروع بتجربة جديدة في دير الزور، برعاية منظمات دولية، بحسب ما قالته الصالح، التي لم تدلي بأي معلومات إضافية عنها.
وكانت منظمة ريسكات قد أشرفت في العام 2019 على إعادة تأهيل 128 شقة سكنية في منطقة الشعار بمدينة حلب، بتمويل مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية “أوتشا”، وتنفيذ شركة دياري. في كانون الأول 2021 أشرفت منظمة ريسكات على تجهيز سـوق ديرحـافر الشـعبي في ريف حلب، بالشراكة بين الأمانة السورية للتنمية ومحافظة حلب ومجلس مدينة ديرحافر.
الصالح أكدت بأن الخيار الأفضل هو إعادة تدوير الأنقاض، بينما التخلص منها مكلف. وأشارت إلى أن إعادة التدوير في المكان هي الأفضل، ولكن يظل هناك جدوى اقتصادية جيدة للتدوير في حال نقل الأنقاض إلى محطات بعيدة. وأوضحت بأن الأبنية الآيلة للسقوط تعتبر أنقاضاً نظيفة ذات ريع مرتفع. ولم توضح ما المقصود بالأنقاض الملوثة التي أكدت على وجوب التخلص منها.
وأكدت الصالح أن ممولين قد حصلوا على موافقة من رئاسة مجلس الوزراء لإشادة محطة ومعمل لإعادة تدوير الأنقاض في مدينة حلب، لكنها قالت بأن المشروع “قد تم إيقافه”. المديرة لم تصرّح عن الجهة الممولة للمشروع، ولا الجهة التي أوقفته.
وبحسب الصالح، سيطرح في المستقبل القريب مشروع إعادة التعافي الأخضر، الذي من المفترض أن يُشغّل جرحى الحرب في إنتاج مواد من الأنقاض “بريعية عالية واستدامة اقتصادية ومجتمعية”. وليس واضحاً ما إذا كان المقصود بهذا هو مشروع التعافي الاقتصادي الأخضر الذي تشرف عليه لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا Unescwa، وهو خطة مخصصة لدعم مشاريع في الشرق الأوسط لمواجهة آثار جائحة كورونا. ولم ترد أي إشارة إلى سوريا في المشروع إلا بأن الحكومة السورية قدمت التزاماً بمكافحة التصحر.
الصالح لم تشر بأي شكل من الأشكال إلى القضية الأكثر الأهمية بخصوص الأنقاض، وهي ملكيتها وحقوق أصحابها بالتعويض عليهم. القانون رقم 3 عام 2018 الخاص بإزالة أنقاض الأبنية المتضررة نتيجة أسباب طبيعية أو غير طبيعية أو لخضوعها للقوانين التي تقضي بهدمها، كان قد أعطى لأصحاب العقارات المهدومة فقط الحق بقيمة أنقاضهم، ولكنه ترك للوحدات الإدارية تحديد تلك القيمة بعد بيعها للأنقاض في المزادات العلنية، أو تدوير الأنقاض وخصم تكلفة الهدم والإزالة منها.