السكن في سوريا “ما بعد النزاع”: هل من مجال لإعادة إعمار عادلة؟
يرى الخبير الاقتصادي السوري سمير العيطة في تقرير جديد بعنوان إطار الانتعاش الحضري للإسكان في مرحلة ما بعد النزاع في سوريا، الذي نُشر في أيلول – سبتمبر 2020، أن احتياجات سوريا من السكن أكبر من أي وقت مضى، ويجب إدراج هذه المسألة في استراتيجية إعادة الإعمار، مع انتهاء الحرب في معظم أنحاء البلاد.
ويقول العيطة إن الإسكان “يقف في صميم الأسباب الجذرية الأكثر فعالية التي ساهمت في الانتفاضة وتحويلها لاحقا إلى حرب أهلية”.
الكثير من المساكن في سوريا اليوم إما متضررة أو مدمرة بالكامل. لكن سوريا تحتاج إلى “إحياء تحويلي”، كما كتب عيطة، بدلاً من مجرد إعادة بناء الهياكل المادية التي دمرتها الحرب.
ومن بين الهمومالرئيسية بشأن “الإحياء” ما يسمى “urbicide” أو قتل المدينة، الذي ارتُكب ضد المدن والأحياء السورية خلال الحرب، وفيه تعرضت الهياكل المادية و”الحياة الحضرية بحد ذاتها” للتدمير أثناء القتال. وبالمضي قدماً، يجب أن يراعي التخطيط الحضري إعادة بناء النسيج الاجتماعي و”الحيوية الحضرية”، بالإضافة إلى “إعادة البناء المادي”، كما كتب العيطة.
وهذه الاعتبارات حيوية خاصة في الأحياء التراثية التاريخية، حيث يجب أن تراعي جهود إعادة التأهيل والتعمير منع حدوث التحسين التام. ويعطي عيطة مثلاً على تطوير سوليديرفي وسط بيروت، الذي أُطلق في التسعينيات على بقايا ما كان يوماً وسط العاصمة اللبنانية النابض بالحياة. المنطقة الآن تحولت إلى مركز تسوق فاخر في الهواء الطلق.
وهذه المخاوف مهمة أيضاً في مناطق المخالفات السكنية، التي يسكنها الشغيلة والعمال، مثل منطقة بابا عمرو في حمص، التي دُمرت في معظمها في السنوات الأولى من الحرب.
إهمال هذه المناطق يمكن أن يؤدي إلى مزيد من الضرر. إذ أنه منذ عام 2019، وفي معظم الخطط الرئيسية المقترحة لإعادة الإعمار، تتكرر الظروف التي كانت علامة على فشل جهود التخطيط السابقة في سوريا، والتي أدت إلى نشوء مناطق العشوائيات.
ويقول العيطة إن التوجه الأخير نحو الخطط الرئيسية، التي وضعت دون تشاور كبير مع السكان، سيعوق جهود التخطيط الحضري السليمة والعادلة في مناطق ما بعد النزاع.
ويذكر العيطة أربع مقاربات لإعادة الإعمار، كل منها يعتمد على سياق المدينة والجوار؛ السكن المؤقت، وإصلاح المنازل المتضررة وهو الحل المفضل عندما يكون نطاق الضرر منخفضاً، وبناء مساكن جديدة الذي قد يكون إشكالياً عندما تستخدمه السلطات لمصلحتها الخاصة، ونهج يسمى “ساحة البناء” الذي من شأنه دعم المجتمعات المتضررة في إعادة بناء مساكنها الخاصة.
وبغض النظر عن المقاربة المتبعة، فإن حجم التعمير المطلوب هائل. ووفقاً لعيطة، فإن تكلفة إعادة بناء المساكن تتراوح بين 14 و31.5 مليار دولار أميركي، إذا تمت إعادة الإعمار على مدى خمس سنوات. كيف يمكن تمويل كل هذا؟ هنا يستشهد العيطة بتحليل كينز لمرحلة ما بعد الصراع في الحرب العالمية الأولى، مضيفاً أن المفتاح في السياق السوري هو أن “الاقتصاد لا يزال يعمل، ويدار بشكل جيد ويتعافى بسرعة”.
وفي الوقت ذاته، قد يكون تمويل المعونة غير فعال. ويحذر العيطة مما يسميه “لعنة المساعدات”، حيث تعيد النخب الحاكمة توجيه أموال المساعدات لمصالحها الخاصة، بدلاً من استخدامها لإعادة الإعمار. حالات مماثلة في مرحلة ما بعد النزاع في لبنان والعراق شهدت ضعف فعالية المساعدات لهذا السبب. إلا أن إيجاد فرص عمل خارج نطاق القطاع العام، بما في ذلك في قطاع إعادة إعمار المساكن يمكن أن يضمن أيضاً حدوث “تعمير مستدام” جنباً إلى جنب مع فوائد اقتصادية أخرى.
وكتب العيطة أن “إعادة بناء المساكن في سوريا تبدو مسألة تتعلق بالحكم الرشيد وإدارة اقتصاد متعاف، أكثر من المبالغ الضخمة من المساعدات الخارجية الموجهة لإعادة البناء المادي”. وعلى وجه الخصوص، يرى عيطة أنه يتوجب على مصرف سوريا المركزي أن يكون عاملاً أساسياً في الإدارة المالية لعملية إعادة تعمير المساكن.