السكن المشروط للنساء
تعاني كثير من النساء من تقييد حقوقهن في السكن والأرض والملكية، بشروط غير مكتوبة. إذ كثيراً ما يتم منح امرأة ما عقارا ما مقابل تلبيتها شروطاً معينة، وإن أخلت بها، يُقيّد حقها بالوصل إلى العقار، وغالباً ما تضطر للتنازل عنه.
ياسمين، من ريف دمشق، تزوجت عندما كان عمرها 13 عاماً. وقد اشترط والدها على زوجها المستقبلي بسام، أن تحصل ابنته على شقة سكنية تضمن حقها في السكن. وبالفعل، قام بسام بتوثيق ذلك عبر عقد بيع صوري مسجل لدى كاتب العدل، لشقة مساحتها 100 متر مربع ضمن بناء للعائلة. ولكن، لم يتم تسجيل ذلك البيع بشكل رسمي في السجلات العقارية.
في العام 2012، ومع سيطرة المعارضة المسلحة على مجمل الغوطة الشرقية، وما رافق ذلك من قصف جوي ومدفعي كثيف عليها من قبل قوات النظام، اتفقت ياسمين وزوجها، على أن يبقى هو في البلدة، بينما تنزح ياسمين والأولاد إلى مدينة جرمانا الواقعة تحت سيطرة النظام. في ذلك الوقت، صار لدى الزوجين طفلان، بنت وولد يعاني من مشاكل صحية وبحاجة لرعاية مُكثفة.
وبالفعل، نزحت ياسمين والطفلان إلى جرمانا، وسكنوا منزلاً مُستأجراً تكّفل بسام بدفع إيجاره، بالإضافة إلى مصاريف العائلة. في تلك الأثناء، تعلّمت ياسمين حرفة صناعة القش، وتدوير الأدوات المنزلية، وعملت فيها، بالإضافة إلى تنظيف المنازل. ذلك الانفصال المكاني قاد مع الوقت إلى تراجع علاقة الزوجين ببعضهما البعض، وتوقف بسام بعد أربعة أعوام عن إرسال المال لياسمين، لتقوم وحدها بدفع الايجار وتأمين تكاليف المعيشة، وطبابة ابنها. ياسمين، حصلت خلال إقامتها في جرمانا، على الشهادتين الإعدادية والثانوية، التي حرمها الزواج المبكر من التقدم لهما.
وعندما استعادت قوات النظام السيطرة على الغوطة الشرقية، في العام 2018، ياسمين وبسام لم يتمكنا، من استعادة علاقتهما كما كانت. تقول ياسمين، إن تلك السنوات كانت كفيلة بتغيير كثير من الجوانب في شخصيتها، وتكريس اعتمادها على ذاتها. وطرحت ياسمين على بسام فكرة الطلاق، وكذلك حقها في بيع شقتها، ما يساعدها على تأسيس مشروع عمل خاص بها. ولكن بسام، رفض ذلك، وربط بين بقاء ياسمين زوجة له، وبين حقها في الشقة. ياسمين، تمسكت بالطلاق، وحاولت التواصل مع أحد المتنفذين في المنطقة ليبيع شقتها. ولكن عقد البيع عند كاتب العدل، ظل بحوزة بسام، الذي أكد أن الشقة ملكه ولا يريد بيعها.
وفشلت الوساطات العائلية في حل المشكلة، إذ رفضت ياسمين حلاً يتضمن عودتها إلى زوجها، وعدم تقييد حقها بالشقة بما في ذلك بيعها أو تأجيرها. وفضّلت ياسمين الحصول على الطلاق، وخسارة حقها بالشقة.
بدورها، نجوى فتاة أربعينية من ريف اللاذقية، تعمل كمعلمة، وهي غير متزوجة. ولدى نجوى أخوة ذكور. ويملك والد نجوى، بناءً من ثلاثة طوابق، وزع شققه على الإخوة الذكور، ولم يمنح نجوى شيئاً. إذ ظلت نجوى تقيم في غرفة شبه مستقلة ضمن شقة مسجلة باسم أحد الأخوة الميسورين الذي يعيش في منزل مستقل مع عائلته. وظلت الأمور معقولة، إلى أن توفيت والدة نجوى، وورثت عنها أرضاً مساحتها 300 متربع مربع. حينها، وضع ذلك الأخ يده على حصة نجوى من الأرض، معتبراً أن سكنها في غرفة ضمن شقة يملكها، يُخوّله أخذ حصتها من دون مقابل. وبات ذلك شرطاً: التنازل عن حصتها من الميراث، مقابل بقاء نجوى ساكنة في غرفتها، من دون تسجيل حقها بالانتفاع من تلك الغرفة.
وعندما رفضت نجوى ذلك، تعرضت للضرب، أكثر من مرة. وفي آخر مرة، طردها الأخ من غرفتها، وأفرغ أغراضها منها. نجوى، هربت من الساحل، وانتقلت للعيش في مدينة أخرى، رافضة التنازل عن حصتها من الميراث، فوق خسارتها الحق بالسكن في شقة أخوها.