السكن العشوائي خارج صلاحيات الهيئة العامة للتطوير والاستثمار العقاري؟
ردّ مجلس الشعب، قبل أيام، مشروع القانون المتضمن إحداث الهيئة العامة للتطوير والاستثمار العقاري، إلى اللجان الدستورية والقانونية، للمزيد من الدراسة. وأُعدّ مشروع القانون الجديد ليحلّ محل قانون التطوير والاستثمار العقاري رقم 15 لعام 2008.
وكان القانون 15\2008 قد أجاز للقطاع الخاص المساهمة في إقامة مدن وضواحي سكنية، ومعالجة قضايا السكن العشوائي، وتأمين الاحتياجات الإسكانية لمحدودي الدخل. لكن، التعقيدات الإدارية الكبيرة التي واجهت تطبيقه، دفعت منذ العام 2011 للحديث عن ضرورة تعديله أو استبداله. وعملياً، لم يتم إنجاز أي مشروع على أرض الواقع بموجب القانون 15\2008. ويأتي مشروع القانون الجديد، لمعالجة مشاكل القانون 15\2008، وأبرز اضافاته تركزت على: زيادة الصلاحيات الممنوحة للهيئة العامة للاستثمار والتطوير العقاري، والحدّ من تشابك الصلاحيات بين تلك الهيئة والوحدات الإدارية، ومنح المطورين العقاريين المزيد من التسهيلات والمزايا، وخاصة الوعد بالبيع والبيع على المخطط، وتخفيض نسبة ضمانة حُسن التنفيذ وإعفاءات تخفض من الأعباء المالية على المطورين العقاريين واعطائهم المزيد من التسهيلات لمعالجة مناطق السكن العشوائي.
والمطور العقاري، بحسب القانون 15\2008 هو شركة تنفيذية خاصة مرخصة ومسجلة لدى الهيئة العامة للاستثمار والتطوير العقاري، تتوكل بالعلاقة المباشرة مع أصحاب الحقوق من السكان في مناطق التطوير العقاري، عوضاً عن علاقتهم المباشرة مع الدولة. وكان القانون 15\2008، قد أحدث الهيئة العامة للتطوير والاستثمار العقاري، كهيئة عامة ذات طابع إداري تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري وترتبط بوزير الأشغال العامة والإسكان.
مشروع القانون الجديد، المؤلف من 72 مادة، توسع في تحديد أهداف ومهام الهيئة العامة للتطوير والاستثمار العقاري. فباتت أهدافها: تنظيم نشاط التطوير العقاري، والمشاركة في تنفيذ سياسات التنمية العمرانية، وتوجهات التخطيط الإقليمي، وتشجيع الاستثمارات المحلية والعربية والأجنبية، وتوفير وتهيئة الأراضي لإقامة مدن وضواحٍ متكاملة، وتوفير الاحتياجات الإسكانية لذوي الدخل المحدود بشروط ميسرة. وكذلك، معالجة مناطق السكن العشوائي وفق مفهوم التنمية الحضرية المستدامة، وإعادة بناء أو تأهيل مناطق سكنية قائمة، وإقامة مناطق الخدمات الخاصة غير السياحية.
كما حدد مشروع القانون مهام الهيئة؛ بإعداد الخطط العامة للتطوير والاستثمار العقاري في إطار الخطط العامة، ومنح صفة مطور عقاري، وإحداث مناطق تطوير عقاري ومشاركة الجهة الإدارية في إحداثها، والمشاركة في إعداد دراسات معالجة مناطق السكن العشوائي، وتثبيت حقوق المالكين والشاغلين في هذه المناطق.
وأكد مجلس الشعب في معرض انتقاده، على ضرورة الفصل بين مشروع القانون الراهن وموضوع معالجة مناطق السكن العشوائي التي قال أنها بحاجة لتشريع منفصل وخاص بها. وعلل المجلس ذلك بالتعقيدات الناجمة عن حقوق المالكين والشاغلين والمستأجرين في مناطق العشوائيات، وصعوبة تضمينها في قانون واحد مع الهيئة العامة للتطوير والاستثمار العقاري.
رئيس لجنة وزارة الإدارية المحلية في مجلس الشعب، كان قد قال في نيسان، أن مشروع القانون سيعرض ثلاثة حلول لمعالجة مناطق السكن العشوائي: الهدم وإعادة تنظيم المنطقة، أو إعادة التأهيل، أو الدمج بين الفكرتين بحسب مقتضيات الواقع. وأضاف أنه يحق للوحدة الإدارية التقدم إلى هيئة عامة مختصة بمعالجة مناطق السكن العشوائي يتم إحداثها بموجب مشروع القانون، بطلب لإحداث منطقة تطوير للسكن العشوائي. وتُشكّلُ فرق عمل لإنجاز المسح الاجتماعي للمنطقة، وإعداد برنامج تخطيطي لها، على أن تحدث المنطقة بمرسوم بناء على اقتراح مجلس إدارة الهيئة العامة لمعالجة مناطق السكن العشوائي.
الانتقادات التي وجهها أعضاء مجلس الشعب، تركزت أيضاً، على منح مشروع القانون الجديد لجنة خاصة بتقدير قيمة العقارات صلاحيات قضائية، رغم كونها لجنة ذات طابع إداري يرأسها قاضٍ. وكذلك، انتقد الأعضاء المشروع على إعفاءه لجنة خاصة بحل الخلافات حول الملكية، من التقيد بالأصول والمهل المقررة في قانون أصول المحاكمات. وتمت إعادة مشروع القانون إلى لجنة مشتركة من لجنتي الشؤون الدستورية والتشريعية، والإدارة المحلية والتنمية العمرانية، لدراسته مجدداً.
مصدر حقوقي مطلع على آليات العملية التشريعية في مجلس الشعب، أشار في حديثه إلى سيريا ريبورت، إلى أن التركيز الإعلامي الرسمي المصاحب لردّ المجلس مشروع القانون، وتوجيهه انتقادات له، ومطالبته بالفصل بين مناطق التطوير العقاري، ومناطق السكن العشوائي، هو أمر مستغرب نسبياً. إذ عمد الإعلام الرسمي، على إظهار دور فعلي للمجلس في صياغة مشاريع القوانين، وهو الأمر الذي يحتاج إلى بعض التدقيق، بحسب المصدر الذي رفض الكشف عن اسمه. وافترض المصدر، أن ذلك الدور المستجد للمجلس، يأتي بالتزامن مع تنشيط عمله في الانتخابات الرئاسية، وإظهاره كطرف فاعل حيادي بين مختلف المرشحين. وأضاف، أن ذلك قد يعود أيضاً إلى إمكانية وجود نزاع بين بعض أجنحة السلطة السورية، المدعومة من كبار رجال الأعمال والمطورين العقاريين، لتقاسم العمل بين مناطق التطوير العقاري، ومناطق السكن العشوائي التي يحتمل أن يتم تمويلها من الخارج بموجب عملية محتملة لإعادة الإعمار. وفي رد على سؤال لسيريا ريبورت، أشار المصدر إلى وجود تعارض مصالح محتمل، بين وزارتي الأشغال العامة والإسكان وبين وزارة الإدارة المحلية، على حدود صلاحيات الهيئة العامة للتطوير والاستثمار العقاري، بخصوص مناطق السكن العشوائي.