الرقة: قسد تستولي على جمعيات السكن الاجتماعي وأملاك نازحين
عقب سيطرتها على مدينة الرقة في العام 2017، استولت قوات سوريا الديموقراطية على مناطق سكنية وعقارات متفرقة في المدينة. وتعود معظم تلك العقارات لغائبين من النازحين إلى مناطق سيطرة النظام. وتم تحويل تلك المواقع والعقارات إلى مقرات عسكرية أو أمنية، وأيضاً لإسكان بعض عوائل عناصر وقادة قسد.
مراسل سيريا ريبورت في المنطقة، قال بأن قوات أمنية وعسكرية تابعة لقسد، استولت على حوالي 400 عقار، معظمها لنازحين عن الرقة ممن يقيمون في مناطق سيطرة النظام. ومعظم أولئك كانوا قد نزحوا عقب سيطرة المعارضة المسلحة على الرقة مطلع العام 2013، والقسم الآخر بعد سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية في العام 2014. وتبرر قسد استيلائها على تلك العقارات بأن أصحابها عملاء للنظام. ولكن، في معظم الحالات تعود تلك العقارات لموظفين مدنيين في مؤسسات الدولة السورية، كمؤسسة الكهرباء والمياه، أو من منتسبي النقابات المهنية كنقابة المحامين.
مسؤول رفيع في قوات سوريا الديموقراطية في الرقة، قال بشكل غير رسمي لمراسل سيريا ريبورت، إن عدم إرجاع تلك البيوت لأصحابها يعود لأسباب متعددة منها؛ انتماء بعض أصحاب تلك العقارات، أو أقاربهم من الدرجة الأولى، إلى جهات معادية لقسد. كما أن بعض أصحاب تلك العقارات المستولى عليها، بحسب المسؤول، هم ممن موّلوا أو نشروا شائعات معادية لقسد، أو عنصرية ضد الأكراد. وأضاف المسؤول بأن قرار الاستيلاء على تلك العقارات لا يمكن نقاشه مع القادة المحليين في الإدارة الذاتية أو قسد، إذ أن الملف بكامله بيد كوادر محددين. وأشار مراسل سيريا ريبورت إلى أن وصف الكوادر أو المستشارين يطلق على قادة من حزب الاتحاد الديموقراطي، منتدبين من حزب العمال الكردستاني.
ومن بين تلك العقارات المستولى عليها، تجمعات سكنية كاملة تقول قسد أن ملكية العقارات فيها تعود لمؤسسات الدولة السورية لا لأفراد. وعلى عكس ما تدعي قسد، فإن هذه التجمعات هي مشاريع منفذة ضمن برامج السكن الاجتماعي أو التعاوني، والتي يتم تخصيص المكتتبين فيها بمساكن بعد تسديد ثمنها بأقساط.
مثلاً، استولت قسد بشكل كامل على جمعية السكن الشبابي المؤلفة من 160 شقة شمال شرقي مدينة الرقة. وكان العمل في جمعية السكن الشبابي في الرقة قد توقف في العام 2011. وهناك شقق منجزة فيها قد استلمها أصحابها وسكنوها، بينما هناك جزء ما زال غير منجز فيها. المكتتبون على تلك المساكن، هم من الموظفين الشباب، محدودي الدخل، في مؤسسات القطاع العام والوزارات. وغالبية سكان الجمعية نزحت إلى مناطق سيطرة النظام حيث نقلت معها عملها الوظيفي. في حين أخرجت قسد من تبقى من سكان الجمعية بالقوة. وحولت قسد قسماً من الجمعية إلى مقرات عسكرية، والقسم الآخر أسكنت فيه عناصر منها وعوائلهم.
وكذلك، استولت قسد على جميعة مساكن الشرطة، وهي إحدى برامج السكن الاجتماعي المنجزة والمسكونة قبل العام 2011. ولأن جزءاً من سكان الجمعية كانوا على رأس عملهم أثناء سيطرة المعارضة على الرقة، فقد نزحوا وعائلاتهم إلى مناطق سيطرة النظام. في حين أن أصحاب الشقق المتقاعدين، فقد أخرجتهم قسد بالقوة منها. ويسكن الجمعية حالياً عوائل لعناصر قسد القادمة من خارج الرقة.
وكذلك استولت قسد على مساكن حوض الفرات في حي الدرعية غربي الرقة. وقد تم انشاء تلك المساكن، وتضم 80 شقة، في الثمانينات، لموظفي مؤسسة حوض الفرات التابعة لوزارة الري. وأسكنت قسد في تلك الشقق عوائل عناصر لواء الشمال التابع لها.
مصدر حقوقي ضمن المحكمة المعروفة باسم “هيئة العدالة” التابعة للجهاز القضائي في الإدارة الذاتية، قال لمراسل سيريا ريبورت في المنطقة، أن حوالي 350 دعوى قضائية رفعها أصحاب العقارات المستولى عليها لاستعادة عقاراتهم. ولكن، تمت إحالة تلك القضايا إلى مكتب العلاقات العسكرية في الإدارة الذاتية، وهو جهة عسكرية مسؤولة عن بعض القضايا المدنية مثل مراكز التوقيف والاحتجاز للمدنيين. وليس مفهوماً سبب إحالة هذا الملف لمكتب العلاقات العسكرية، وهو جهة غير قضائية، والمعروف بسيطرة الكوادر على قراراته. وصدر عن مكتب العلاقات العسكرية اتهامات شفهية غير مكتوبة، للمدعين أمام المحكمة، بالعمالة والتواصل مع جهات معادية لقسد، ما أغلق مؤقتاً ملف العقارات المستولى عليها.
الأمر لا يقف فقط عن سكان الجمعيات السكنية، بل أيضاً بعض أصحاب المنازل الكبيرة التي حولتها قسد إلى مساكن لضباطها أو مقرات أمنية أو عسكرية. صاحب منزل مستولى عليه في أحد الأحياء الراقية في الرقة، والذي أصبح منزلاً لقيادي في قسد، قال لمراسل سيريا ريبورت، إنّ المحكمة حولت دعواه باسترداد منزله إلى مكتب العلاقات العسكرية. وأثناء مراجعته للمكتب تمّ اتهامه بالعمالة لقوات المعارضة السورية المدعومة من تركيا.
يقول أبو رياض، وهو صاحب منزل كبير مُطّل على شارع رئيسي في مدينة الرقة، بإنه شخص حيادي ولم يسبق له الانتماء السياسي لأي جهة كانت. أبو رياض نزح وعائلته، بعد سيطرة داعش على المدينة، إلى مناطق سيطرة النظام. وبعد هزيمة داعش وانسحابها من الرقة في العام 2017، استولت قسد على منزل أبو رياض، وحوّلته إلى مقر أمني. أبو رياض حاول استعادة منزله بالطرق القانونية لكنه لم يصل إلى نتيجة. ولكن، عبر وساطة تمكن من دفع بضعة آلاف من الدولارات لأحد الكوادر النافذين، سّجلت كتبرع للإدارة الذاتية. وتمكن بذلك أبو رياض من استعادة منزله.
ولكن، ليس كل أصحاب العقارات المستولى عليها قادرين على دفع تلك المبالغ لاستعادة بيوتهم. إذ تحول سيطرة قسد على تلك العقارات دون عودة أصحابها النازحين. وبعض أولئك النازحين العائدين يتحمل بعضهم تكاليف الايجار والعيش في مناطق أخرى قريبة من بيوتهم المستولى عليها.
أحد المحامين المدافعين عن حقوق ملكية السكان في الرقة، قال لمراسل سيريا ريبورت، بأن استيلاء القوى الأمنية والعسكرية التابعة لقسد على أملاك مدنيين وتهديدهم لا يستند إلى أي قانون، وأكد ضرورة إيجاد لجنة خاصة لمناقشة قضية العقارات المستولى عليها. لكنه أشار إلى أن الموضوع قد تمت إثارته أكثر من مرة مع مسؤولين رفيعين في الإدارة الذاتية في الرقة، عبر وسطاء ونشطاء، من دون جدوى.