الحجر الأسود: لا عودة في الأفق
لا تبدو العودة إلى مدينة الحجر الأسود جنوبي دمشق أمراً قابلاً للتحقق في المدى المنظور رغم الاعلانات الرسمية المتكررة. إذ لا زالت الأنقاض تعيق الحركة في الشوارع الرئيسية والفرعية، وما زالت أعمال تأهيل البنى التحتية في مراحلها الأولى.
وصادقت وزارة الإدارة المحلية والبيئة، نهاية تشرين الثاني، على البدء بالدراسات التخطيطية والتنظيمية للحجر الأسود، وأيضاً للسبينة ويلدا وجرمانا. وبحسب مديرية دعم القرار والتخطيط الإقليمي في محافظة ريف دمشق، فإن اختيار هذه المناطق جاء لأنها الأكثر تضرراً، وأن المخططات التنظيمية لهذه المناطق ستصدر وفق قانون التخطيط العمراني رقم 5 لعام 1982.
وتقع الحجر الأسود بمحاذاة مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين، وهي مدينة ومركز ناحية تتبع إدارياً لمحافظة ريف دمشق. وكان يسكنها قبل العام 2011 نحو نصف مليون نسمة بحسب الإعلام الرسمي، رغم أن هناك تقديرات تقول إن العدد لم يتجاوز 200 ألف نسمة. ونسبة كبيرة من سكان الحجر الأسود هم من نازحي محافظة القنيطرة في أعقاب حرب العام 1967 واستيلاء اسرائيل على هضبة الجولان. جزء كبير من مدينة الحجر الأسود عبارة عن مناطق عشوائية غير منظمة ولا مخدمة، وكانت مقصداً للمهاجرين الفقراء من بقية المحافظات السورية إلى العاصمة دمشق.
وقد تعرضت المدينة لدمار شديد خلال فترة سيطرة المعارضة عليها بين العامين 2012-2018، نتيجة القصف الجوي المكثف والعمليات القتالية على الأرض. وما زالت المنطقة شبه مهجورة، وتمنع محافظة دمشق السكان من الدخول إليها من دون الحصول على موافقة أمنية مسبقة.
وكان محافظ ريف دمشق، قد قال في أيلول الماضي، إن عودة سكان الحجر الأسود قد باتت قريبة، وأن نسبة إنجاز إعادة تأهيل المدينة قد بلغت 85%، وأضاف بأن محافظة ريف دمشق قد طلبت من السكان ملء الاستمارات الخاصة بالعودة، وتقديم وثائق إثبات الملكية الخاصة بهم حرصاً على حقوقهم.
واستأنف مجلس مدينة الحجر الأسود، في أيلول أيضاً، استلام طلبات النازحين بالعودة إلى المنطقة بغرض تأهيل منازلهم. ويتوجب ارفاق الطلبات بالوثائق التي تؤكد ملكية أصحابها للعقارات إضافة لبيان عائلي وصور عن البطاقات الشخصية. ويتم تقديم الطلبات في مكتب بلدية الحجر الأسود. وبعد ذلك، تتم دراسة الملف من قبل الأجهزة الأمنية، والتي تُصدر موافقتها على العودة أو الرفض. وفي حال الموافقة، يتوجب الحصول بعد ذلك على إذن ترميم للعقار من البلدية.
ناشط من الحجر الأسود قال لمراسل سيريا ريبورت في المنطقة، إنه عندما دخل أول مرة لتفقد منزله نهاية العام 2020، كانت ورشات التعفيش تواصل عملها على سحب الحديد من الأبنية المتضررة. وعندما سُمح له بزيارة منزله مرة ثانية، منتصف العام 2021، لاحظ زيادة كبيرة في نسبة الدمار في المنطقة المحيطة بمنزله. وأضاف أنه كلما توسعت عمليات إزالة الأنقاض وترحيلها يزداد الخوف على سلامة العقارات، وسط غياب المراقبة من قبل أطراف حقوقية محايدة.
وكانت محافظة ريف دمشق قد أعلنت نهاية العام 2020، أنها ستُطلق مشروعاً لإعادة تأهيل المنازل في الحجر الأسود، تزامناً مع عودة الأهالي إلى المنطقة. وكشفت لجنة فنية مطلع العام 2021 عن الأبنية، وخلصت إلى أن 60% من منازل الحجر الأسود صالحة للترميم. وفي أيلول، قال مجلس مدينة الحجر الأسود، إن نسبة ترحيل الأنقاض من شوارع المدينة الرئيسية قد بلغت نحو 90%، ومن الشوارع الفرعية بنسبة 65 تقريباً.
إلا أن مصادر أهلية تحدثت لمراسل سيريا ريبورت، شككت في تلك الأرقام والنسب التي أوردتها محافظة ريف دمشق ومجلس مدينة الحجر الأسود. إذ ما زالت الأنقاض تغطي الكثير من الحارات والأحياء الداخلية، وقد توقف العمل فعلياً فيها. وأضافت المصادر أن العمل غالباً ما يتم استئنافه، لفترات وجيزة، خلال زيارات المسؤولين السوريين الذين يحاولون جذب اهتمام المنظمات الدولية وغير الحكومية لتمويل إزالة الأنقاض وإعادة تأهيل المناطق المدمرة.
مصدر أهلي من الحجر الأسود، أكد لمراسل سيريا ريبورت، بأنه قد تقدم بأكثر من طلب للعودة خلال السنة الماضية، ولم يتلق أي جواب سلباً أو ايجاباً رغم حصوله على رقم لملفه. وأضاف أن الأعلانات المتكررة لتقديم طلبات العودة لا تترافق مع معالجة الطلبات المقدمة سابقاً، ما يشير إلى عدم جدية المحافظة ولا مجلس المدينة.
وترافقت الفترة الماضية مع إعلانات متكررة تفيد ببدء أو تنفيذ أعمال إعادة تأهيل في الحجر. وعلى سبيل المثال، جهزت المؤسسة العامة لمياه الشرب والصرف الصحي، في تشرين الثاني الجاري، بئرين مزودين بمضختين ومولدة كهرباء. وفي أيلول تم تنفيذ مشروع صيانة واستبدال خط الصرف الصحي المار بمدينة الحجر الأسود بالتعاون مع منظمة الصليب الأحمر الدولي. وأشار مجلس مدينة الحجر إلى أن تأهيل المدارس سيتم بعد عودة الأهالي. في حين بدأت الشركة العامة لكهرباء ريف دمشق العمل على تأهيل شبكات الكهرباء في المدينة في أيلول الماضي.