التيرسانت إلى أصحابها.. بعد 17 عاماً من مماطلة حزب البعث
أخيراً، تمّ تفعيل قرار المحكمة الإدارية العليا بإعادة مدرسة ودير الأرض المقدسة “تيرسانت” في حلب، إلى أصحابها الأصليين من الآباء الفرنسيسكان من طائفة اللاتين، بعد إلغاء قرار استملاك العقار الصادر في العام 1968.
ورغم صدور قرار المحكمة في العام 2003، إلا أن الرهبانية الفرنسيسكانية واجهت تعنتاً ومماطلة في استرجاع عقارها الذي استولى عليه فرع حلب لحزب البعث منذ العام 1968. لذا، لجأت الرهبانية أخيراً للقاء الرئيس السوري نهاية العام 2019، ليأمر بدوره بتنفيذ القرار. واستغل النظام هذه القضية لتكريس موقعه كمدافع عن الأقليات، خاصة مع تدفق البيانات الرسمية والشكر له من مطارنة وأباء الرهبانية. أي أن الرئيس بشار الأسد تدخل لتنفيذ قرار محكمة متخذ منذ 17 عاماً ويعطل تنفيذه حزب البعث الذي يرأسه بشار الأسد!
ويعود وجود الرهبان الفرنسيسكان في حلب إلى عهد الدولة الأيوبية. ففي اتفاقية العام 1233 بين أمير حلب الأيوبي العزيز محمد، وبين البابا غريغوريوس التاسع، تم إرسال رهبان للعناية روحياً بأمراء الحملة الصليبية الأسرى في قلعة حلب. واستقر الرهبان بعدها وتنقلوا في مواقع متعددة في مدينة حلب، من باب انطاكية إلى خان القصابية.
وتعود قصة مدرسة التيرسانت إلى العام 1942 عندما اشترت الرهبنة الفرنسيسكانية في حلب أرضاً في منطقة الفرقان، وبنت عليها ديراً ومدرسة التيرسانت التي افتتحت أبوابها في العام 1948، لتصبح من أهم المدارس الثانوية في حلب.
في العام 1968 صدر القرار رقم 1625 عن وزير التربية، بالاستيلاء على المدارس الخاصة في سوريا، تماشياً مع سياسية التأميم واسعة النطاق، التي دشنها حزب البعث في انقلابه العام 1963، وطالت الشركات والمصانع والمؤسسات التعيلمية الأجنبية والسورية الخاصة.
وفي حلب تم الاستيلاء على كل من مدرسة الأرض المقدسة ومعهد شمبانياه للأخوة المريميين، ومدرسة جورج سالم الصناعية ومدرسة جان دارك، وغيرها. وبعد الاستيلاء حوّل حزب البعث مدرسة التيرسانت إلى مركز للإعداد الحزبي. وتحولت الأرض المقامة عليها التيرسانت، أي العقار 11543 من المنطقة العقارية الرابعة بحلب إلى “خزانة الجمهورية العربية السورية – استيلاء”، كما كان يظهر في سجلها العقاري. الرهبانية الفرنسيسكانية أقامت دعوى أمام مجلس الدولة وكسبتها بصدور قرار المحكمة الإدارية العليا القرار رقم 307 في العام 2003، المتضمن إلغاء قرار الاستيلاء على العقار.
وبعد ذلك، دخلت القضية متاهة من التعقيدات القضائية، والتعميمات الصادرة عن مجلس الوزراء، ومفاجآت حزب البعث. فبعد مماطلة لأقل من عشر سنوات على صدور الحكم، أظهر فرع الحزب عقد بيع لجزء من العقار إلى مديرية الزراعة. وهما تدخل مطران اللاتين في سوريا، لدى رئيس الوزراء، الذي طلب بدوره من حزب البعث تنفيذ حكم تسليم العقار للرهبانية.
ومع ذلك، وفي العام 2014 وضع فرع الحزب إشارة منع تصرف على العقار، ثم رفع دعوى مديرية الزراعة بحلب، لتثبيت شراء حصتها من العقار. وبعد صدور تقرير لجنة الخبرة، ثبتت محكمة البداية المدنية بحلب، في العام 2017، شراء حزب البعث لحصة من العقار. وفجأة، بات فرع حزب البعث يطالب الرهبانية بإخلاء الدير والكنيسة لأنهما أصبحا ضمن ملكيته.
وهنا، توسط مطران الروم الملكيين في فنزويلا إيسيدور بطيخة، وهو من أصول حلبية، لدى الرجل القوي في النظام العميد سهيل الحسن قائد الفرقة 25 مكافحة إرهاب، المعروفة بـ”قوات النمر” سابقاً، فأوقف الإخلاء. ومن غير الواضح سبب تدخل المطران بطيخة، إلا أن مؤشرات متعددة ترجح دوراً للعلاقات الشخصية التي دفعت الرهبان الفرنسيسكان للتدخل لدى المطران المعروف عنه علاقته الشخصية الجيدة بالعميد الحسن.
وبعدها تقدمت الرهبانية بدعوى جديدة أمام المحكمة الإدارية العليا، التي قررت منع فرع حزب البعث من التصرف بحصته من العقار.
المماطلة التي لا تنتهي، دفعت الرهبانية الفرنسيسكانية للطلب من الرئيس بشار الأسد، الأمين العام لحزب البعث، في العام 2019، التدخل لحل المسألة. وهذا ما حدث.