التضامن: العودة مشروطة!
سمحت محافظة دمشق أخيراً بعودة بعض النازحين إلى حي التضامن الدمشقي، وذلك بشكل تدريجي، وفقط لأشخاص محددين ممن حصلوا على موافقات أمنية مسبقة.
المحافظة سمحت بعودة 500 نازح بمعدل50 اسم يومياً، بدءاً من 14 أيلول، بحسب محافظ دمشق عادل العلبي، الذي كان قد أجرى في 13 أيلول، جولة على الحي. العلبي دعا الأهالي إلى تقديم الأوراق الثبوتية المطلوبة لـ”الجهات المختصة” في المنطقة، للحصول على الموافقة اللازمة التي تخولهم العودة.
ورافق العلبي في زيارته للحي، مسؤول الشباب في فرع دمشق لحزب البعث فادي صقر، وهو القائد السابق لميليشيا الدفاع الوطني بدمشق، الموالية للنظام. صقر، وهو من سكان حي التضامن، كان قد أُدرج اسمه مؤخراً في لائحة العقوبات الأميركية التي صدرت في آب 2020.
وبحسب المسؤولين المشاركين في الجولة، فإن فترة الحصول على الموافقة الأمنية للعودة لن تتجاوز أسبوعين، في حال اكتمال الأوراق المطلوبة، وعدم وجود أي “إشكال” أمني على صاحب الطلب. عملية تسليم المنزل تتم بعد توقيع صاحبه على تعهد يتضمن إقراراً بتسلّم منزله مع كتابة العنوان والتاريخ.
لكن محافظة دمشق ربطت عودة النازحين بجملة من الشروط الإضافية المعقدة؛ إحضار العائدين وثائق تثبت ملكيتهم لعقاراتهم، وإزالة الأنقاض والركام على نفقتهم الشخصية خلال مدة لا تزيد عن شهرين من تاريخ استلامهم منازلهم. كما يتوجب على العائدين إبراء ذممهم المالية ودفع مستحقات الكهرباء والماء والهاتف. كما يتعهد النازح العائد إلى منزله بتحمل كامل المسؤولية بخصوص السلامة الإنشائية لعقاره. ويتضمّن التعهّد استخراج ترخيص ترميم العقار من بلدية حي الميدان الدمشقي المجاور، قبل قيام صاحب المنزل بأي عملية ترميم.
ويقع حي التضامن جنوب شرقي دمشق، ويعتبر بمثابة البوابة الجنوبية للعاصمة، ويبعد 6 كيلومترات عن مركزها. ويعود السكن في التضامن إلى نهاية الستينيات، عندما نزح الآلاف من الجولان والقنيطرة نتيجة سقوط الجولان بيد اسرائيل في حرب حزيران 1967. وأقام النازحون عشوائيات في أراضي منطقة التضامن الزراعية التابعة لمدينة دمشق.
وبسبب رخص قيم الإيجارات وثمن العقارات فيه، لأنه عبارة عن عشوائية كبيرة، فقد استقطب الحي بكثافة الوافدين إلى دمشق من الأرياف السورية. وتُعرف حارات الحي محلياً بحسب أصول قاطنيها؛ حارات الشوام والأدالبة والديرية والتركمان والدروز، وفيه شارع نسرين ذي الغالبية العلوية. وكان يقطنه بحدود 200 ألف شخص قبل العام 2011. ويعاني الحي تاريخياً من سوء الخدمات وتردي أحوال سكانه المعيشية.
انتفض جزء كبير من أبناء الحي منذ العام 2011 ضد النظام. وسيطرت المعارضة على الجزء الجنوبي منه منذ العام 2012، والذي تعرّض منذ ذلك الحين إلى حصار وقصف متواصل من قوات النظام، مما سبّب دماراً واسع النطاق فيه. في العام 2015 وقع ذلك الجزء من الحي تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية المتطرف، ونزح عنه معظم سكانه المتبقين، قبل أن يعود إلى سيطرة قوات النظام مطلع العام 2018.
الأنفاق والخنادق التي حفرتها قوات النظام والمعارضة خلال المواجهات تسببت بضرر كبير للأرض ما جعل من الأبنية فوقها قابلة للانهيار، بحسب ما قاله قيادي سابق في الجيش الحر من حي التضامن لسيريا ريبورت.
وكان محافظ دمشق السابق بشر الصبان، قد شكل في تموز 2018، لجنة لتطبيق القانون رقم 3 لعام 2018الخاص بإزالة أنقاض الأبنية المتضررة، تشمل المنطقة الجنوبية من الحي، لإزالة الأنقاض وإعادة تدويرها وتحديد المباني الصالحة للسكن. رئيس اللجنة حينها فيصل سرور، عضو المكتب التنفيذي في محافظة دمشق، قال في تشرين الأول 2018، إنّ اللجنة خلصت إلى وجود 690 منزلاً صالحاً للسكن فقط يمكن للأهالي العودة إليها، لحين تنظيم كامل منطقة التضامن، وفق المرسوم التشريعي رقم 10 لعام 2018القاضي بجواز إحداث منطقة تنظيمية أو أكثر ضمن المخطط التنظيمي العام. ولم يكن واضحاً في إعلان رئيس اللجنة إن كانت تلك المنازل الصالحة للسكن في كامل حي التضامن أو في الجزء الجنوبي منه.
الإعلان أثار استياء بعض الأهالي فنفذوا اعتصامات في شارع نسرين، مطالبين بالسماح لهم بالعودة ورافضين شمول الحي بأي مخطط تنظيمي. وتعرض سكان شارع نسرين لنزوح جزئي مقارنة بالمناطق التي كانت تسيطر عليها المعارضة من الحي والتي تعرضت للتهجير الكامل. إذ ظل شارع نسرين طيلة فترة الحرب بمثابة المعقل الرئيسي لميليشيا الدفاع الوطني ومليشيات فلسطينية موالية للنظام. ميليشيا الدفاع الوطني، المسيطرة حالياً على كامل حي التضامن، دعمت مطالب الأهالي المطالبين بالعودة، باعتبارهم حاضنة شعبية لها، وشُكلت لجنة منهم التقت بمسؤولي محافظة دمشق، أكثر من مرة، بحضور فادي صقر. المحافظة وعدت بالمسارعة بإعادة تأهيل الحي وتقييم المنازل الصالحة للسكن والسماح بعودة السكان “الشرفاء” إليه ممن يستطيعون إثبات ملكيتهم العقارية، بإشراف مختار الحي.
المحافظة عادت وقسّمت الحي إلى ثلاثة قطاعات؛ أ، ب وج، بغية دراسة حالة العقارات الفنية، وأحصت 2500 منزلاً صالحاً للسكن، وقامت بترقيمها وختمها بالشمع الأحمر. كما أحصت في حصيلة غير نهائية 1000 منزل غير صالح للسكن في القطاعين أ وب، فيما اعتبرت المنطقة ج التي تمثل الجزء الجنوبي من الحي، منطقة أضرار مرتفعة غير قابلة للسكن.
وأصدر محافظ دمشق عادل العلبي في أيار 2020، القرار رقم 3191، سمى فيه تسع مناطق في الحي ستتم إعادة تأهيلها وإعادة الأهالي إليها. وأكد المحافظ، أن المنطقة الجنوبية الشرقية “أغلبها مستملكة ومهدمة بفعل الإرهاب”. وبحسب مقال نشرته صحيفة الوطن، فالمقصود بالمنطقة الجنوبية الشرقية هي منطقة الطبب، وهي مستملكة لصالح مؤسسة الإسكان العسكري. ولا تتوافر أي معلومات إضافية عن تاريخ وسبب استملاك الاسكان العسكري لهذه المنطقة.