الاحتيال والبيع بالغبن: من قتل المعلم المتقاعد عدنان؟
في منتصف العام 2021، تفاجأ المعلم المتقاعد عدنان، بوجود شخص غريب، في أرضه المزروعة بالتفاح قرب بلدة الرحى جنوبي مدينة السويداء. وعندما سأله عن سبب وجوده، أجاب الغريب بأنه اشترى الأرض من ابنة المعلم المتقاعد.
بعد بضعة شهور على الواقعة، توفي كنعان في أكتوبر 2021 غرقاً في خزان للماء في منزله. ظروف الوفاة الغامضة حينها بددها تقرير الطبيب الشرعي في المشفى الوطني في السويداء، الذي أشار إلى أن الوفاة حدثت بسبب الاختناق بالماء، ولكنه لم يشر إلى أي ملابسات أخرى. ونتيجة عدم وجود أي ادعاء من طرف آخر، بدا حينها وأن القضية قد أقفلت وأن الوفاة حدثت قضاءً وقدراً. ولكن، خلال الأيام الماضية، ظهرت تفاصيل جديدة في القضية أثارت شكوكاً بأن وفاة عدنان لم تكن طبيعية، وأنها مرتبطة بابنته الوحيدة.
بدأت القصة عندما طلبت الابنة في العام 2020، من والدها وكالة عامة، قالت إن مكتب سفريات طلبها منها لمساعدتها بالسفر إلى إحدى الدول الأوروبية. عدنان منح ابنته وكالة عامة، تتيح لها التصرف بجميع أملاكه، وهي عبارة عن منزل عربي تعيش فيه العائلة في بلدة الرحا، وأرض مساحتها 4 دونمات مشجّرة بالزيتون في محيطه، وبستان مزروع بالتفاح في منطقة مجاورة.
ويبدو ذلك الطلب غريباً، إذ لا تطلب وكالات السفر في العادة وكالة عامة ولا خاصة، ولا إثبات ملكية عقارية، وغالباً ما تكتفي بكشف حساب بنكي بمثابة كفالة للسفر. والوكالة العامة بحسب القانون المدني، هي عقد بمقتضاه يلتزم الوكيل بأن يقوم بعمل قانوني لحساب الموكل. والوكالة العامة غير المقيدة، تخوّل الوكيل التصرف بجميع أموال وعقارات الموكل حتى دون تحديدها، وإجراء جميع أعمال التصرف ومنها البيع والهبة.
ويشير ذلك الطلب الغريب إلى احتمال وقوع الابنة ضحية احتيال مكتب السفريات. إذ تنتشر بشكل واسع عمليات احتيال عبر مكاتب سفريات وهمية في السويداء، آخرها حصلت قبل شهرين، وطالت 150 شخصاً أوهمتهم بتأمين سفرهم بشكل غير شرعي إلى أوروبا لينتهي بهم المطاف في لبنان.
وبعدما واجه عدنان ابنته بخصوص الغريب الذي صادفه في أرض منطقة الشعاف، أنكرت الابنة بيعها للأرض. لكن عدنان، تأكد بعد فترة قصيرة من حدوث البيع بعد مراجعته السجل العقاري في السويداء. ابنته باعت الأرض، وجميع أملاكه الأخرى، لامرأة اسمها صفا، والأخيرة باعت الأرض لشخص من آل عريج. ومع وفاة عدنان الغامضة بعد ذلك بفترة قصيرة، بدا وكأن القصة قد انتهت.
لكن، في مطلع العام 2023، ادعى شادي، ابن صفا، أن أمه اشترت منزل العائلة والأرض المحيطة فيه، من الابنة، بموجب وكالة من والدها، وطالب العائلة بإخلائه. وأبرز شادي عقد بيع قطعي بالمنزل بإسم أمه. وكان برفقة شادي وجهاء من عائلته، التقوا مع وجهاء من أقارب عدنان، وطلبوا إخلاء المنزل الذي تعيش فيه الابنة مع امها.
أقارب عدنان رفضوا تسليم المنزل والأرض، ودخلوا في نزاع قضائي مع المشترين الجدد، بدعوى أن البيع كان بالغبن. والغبن الاستغلالي هو عدم التعادل بين ما يعطيه الطرف الأول، وبين ما يأخذه، وفقا لما نصت عليه المادة 130 من القانون المدني. ولم يضع القانون حداً معيناً للغبن. ويلزم لتحقق الغبن الاستغلالي وجود عنصرين؛ أحدهما موضوعي، وهو اختلال تعادل الالتزامات المتقابلة في العقد. والثاني نفسى، وهو استغلال ضعف في نفس الطرف الأول. وبالتالي إذا اختل التوازن في عقد البيع بين قيمة المبيع والثمن، فإن العنصر الموضوعي للغبن يتحقق، بينما ينحصر العنصر النفسي في أن يستغل أحد المتعاقدين في المتعاقد الآخر، طيشاً بيناً أو هوى جامحاً يكونان دافعاً في إبرام العقد. عندها، يكون الغبن عيباً من عيوب الرضا في العقد. إذ أن إرادة المتعاقد المغبون تكون إرادة معيبة وغير مشروعة. ويستطيع الطرف المغبون إقامة دعوى إبطال العقد. وأوجب القانون المدني، أن ترفع الدعوى خلال سنة من تاريخ العقد، وإلا تصبح غير مقبولة.
العائلة واجهت الابنة، التي كانت تدلي بروايات متناقضة، تنفي قيامها ببيع أي من أملاك والدها، رغم تأكد العائلة من توثيق تلك البيوع في السجلات العقارية. وهذا ما أثار شكوك أحد أبناء عمها، قصي، الذي كان قد خرج مؤخراً من السجن، بعدما قضى 8 سنوات، بجرم تجارة الأسلحة. قصي أقنع العائلة، بضرورة احتجاز ابنة عمه، واخضاعها للتعذيب كي تعترف.
وبالفعل، أدلت الفتاة باعترافات مأخوذة بالإكراه، بأنها بالفعل باعت كل أملاك العائلة بموجب الوكالة. لكنها، كانت ضحية خديعة من شخص يدعى رعد، تربطه بها علاقة غرامية. رعد كان قد أقنعها ببيع أملاك والدها، ليساعدها على السفر. لكنه، وبعدما أخذ منها كل الأموال، ادعى أنه تعرض للنصب من قبل مكتب سفريات. الابنة اعترفت تحت التعذيب، أيضاً، بأنها اتفقت مع رعد على قتل والدها بعدما اكتشف بيعها لأملاكه. وقد سهّلت الابنة لرعد الدخول إلى المنزل مع صديق له، وقاما بخنق والدها ورميه في خزان الماء.
وعلى إثر تلك الاعترافات المأخوذة بالإكراه، توجه قصي، ابن العم، برفقة مجموعة مسلحة من أقاربه، إلى منزل رعد، وخطفوا والده وشقيقه، ولم يطلقوا سراحهما حتى سلّم رعد نفسه لهم. وكما هو متوقع، أخضعت المجموعة رعد للتعذيب الشديد، ومع ذلك انكر علاقته بالجريمة. بعدها، تدخل وجهاء من جميع العائلات المتورطة في القضية، لوقف ما يحدث، وتسليم المحتجزين؛ الابنة، ورعد، إلى فرع الأمن الجنائي في السويداء، مع الادعاء عليهما بجريمتي القتل، والاحتيال. في الوقت ذاته، لا تزال الدعوى القضائية قائمة بين تلك العائلات، على الأملاك. مع وجود وساطات اجتماعية تسعى لتسوية الخلاف بين العائلات الثلاث بالتراضي.